في معرض إعلانه بوقاحة ارتكاب جريمة اغتيال اللواء قاسم سليماني ادعى ترامب ان الاميركيين باتوا أكثر امانا في العالم، وكان يقصد ان الخطر الذي يهدد الوجود والهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط قد زال تقريبا بغياب الشهيد الذي تراه اميركا وإسرائيل أحد ثلاثة يصنفون في القاموس الاستعماري الأكثر خطرا على الاحتلال وعلى المشروع الصهيواميركي في المنطقة باعتبارهم قادة مميزون في محور المقاومة الذي هزم إسرائيل في لبنان مرتين وأسقط مشروع داعش وهزم الإرهاب الأميركي في كل من العراق وسورية كما ولبنان. والان وبعد سنة على ارتكاب الجريمة يطرح السؤال هل ان اميركا حققت ما تريد؟

لقد ارادت اميركا من اغتيال الشهيد قاسم سليماني تحقيق هدفين أساسيين الأول قطع التواصل بين جبهات و مكونات محور المقاومة الممتدة من اليمن جنوبا الى ايران شمالا مرورا بفلسطين و لبنان و سورية و العراق ، و القضاء على الفكرة التي عمل عليها الشهيد سليماني و هي وحدة مسرح عمليات محور المقاومة و تماسكه مع تعدد الجبهات فيه ، و تمكين هذه الجبهات من ممارسة الاسناد المتبادل و الأداء الجمعي المشترك الذي يظهر تناسقها وسيرها وفقا لإيقاع يضبطه ضابط إيقاع فذ هو الشهيد سليماني ، و تصورت اميركا ان غياب ضابط الإيقاع ينهي التماسك و التناسق و العمل الموحد و يفكك او يبعثر المحور فيسهل تدميره ، اما الهدف الثاني الذي رمت اليه اميركا من جريمتها فهو ادخال محور المقاومة و مكوناته في حالة من الخوف و الاضطراب و الجمود و منع ايران من تقديم الدعم له والحؤول دون تعزيز تلك الجبهات المقاومة لمدة من الزمن تحتاجها اميركا لإعادة تقييم الموقف بعد فشل داعش في تحقيق الأهداف التي من اجلها انشاتها اميركا . فاين اميركا من أهدافها اليوم؟

من يدقق بالمشهد اليوم يقف على حقائق لا تستطيع اميركا وإسرائيل وكل من يسير في ركبهم لا يستطيع أحد منهم حجبها او اخفاءها ويكفي تقديم النماذج التالية منها:

1) بعد الاغتيال رفعت ايران في مواجهة الجريمة شعار "اخراج اميركا من المنطقة " و اعتبرته الرد الاستراتيجي الحقيقي المناسب في مواجهة الجريمة ، و في حين كانت اميركا قد توسلت الإرهاب و اعتمدت استراتيجية القوة الناعمة العمياء و قادت حربا على سورية و العراق و ايران من نوع حروب الجيل الرابع التي سخرت لتنفيذها جماعات إرهابية تجاوز عديدها ال 400 الف إرهابي خلال السنوات العشر الماضية ،و ظنت بان هذه الجماعات ستصنع لها البيئة المناسبة لاستعمار المنطقة بالحرب البديلة، فقد وجدت اميركا نفسها و بعد سنة فقط امام قوى تعتمد استراتيجية " تطهير المنطقة من الإرهاب و من الاحتلال الأميركي الذي يرعاه " ، و ما القرار الذي اتخذه البرلمان العراقي و الموقف الإيراني المعلن بهذا الصدد الا اول الطريق التي ستسلكها قوى عبرت جماهير العراق عن نموذج منها عندما خرجت بعشرات الالاف الى طريق مطار بغداد حيث ارتكبت الجريمة الأميركية .

2) تلقت اميركا في عين لأسد وفي إطار الرد الإيراني العملاني على الجريمة تلقت صفعة تتصل مباشرة بالهيبة العسكرية التي بنتها منذ الحرب العالمية الثانية ويعرف اهل الاختصاص مدى أهمية الهيبة العسكرية في تكوين المناعة والحصانة الدفاعية لأي جيش كما وتأثيرها على فعالية القدرات العسكرية له التي تصل به ان تحققت بمستوى رفيع الى حد الانتصار بالمعركة قبل خوضها نتيجة الرعب الذي يكون قد زرعه في النفوس قبل وصوله. فأميركا تحكم العالم بهيتها العسكرية وصورة الرعب التي زرعتها في الذهن العالمي يوم القت القنابل النووية على اليابان لا زالت تفعل فعلها وتركن اميركا اليها. لكن إيران وفي ردها على جريمة الاغتيال كسرت هذه النمطية وتجاوزت هذه الهيبة وقصفت عين الأسد حيث القوات الأميركية دون ان تعبأ بما ستكون عليه ردة الفعل الأميركي، وهذه مسالة سيبنى عليها من قبل اخرين من شانها ان تضع حدا المقولة "أحد من الدول لا يجرؤ على مواجهة اميركا ". وبعد ان كانت المقاومات المتسترة تنزل في اميركا الضربات المؤلمة وتخرجها من مناطق الاحتلال، جاء دور الدول وفي الطليعة إيران لتستبيح تلك الهيبة.

3) اظهر محور المقاومة خلال السنة التي أعقبت الاغتيال تماسكا وإرادة على ربط الجبهات وتساندها بشكل لم يكن مسبوقا وبات قادة الجبهات وبشكل علني يذكرون صراحة أساليب حصولهم على السلاح وتبادل الخبرات ونقلها من جبهة الى جبهة، كما ويؤكدون النية على العمل المشترك في الحرب الشاملة المرتقبة في يوم ما، حرب يشارك فيها محور المقاومة بكل مكوناته ويفتح كل جبهاته دفعة واحدة واضعا حدا نهائيا لفكرة استفراد جبهة وتثبيت الاخريات كما هي استراتيجية إسرائيل التقليدية. ولهذا بات مهما ان نسمع مثلا ان صواريخ الكورنيت نقلت من سورية الى غزة عبر مسعى لبناني وان صواريخ اليمن ستوجه الى إسرائيل وان القواعد الأميركية ستقصف من أي مكان من مسرح عمليات المقاومة.

4) تمكن محور المقاومة من تامين التواصل البري شبه الامن من ايران الى لبنان عبر سورية و العراق ، و رغم ان اميركا و إسرائيل تحاولان عبر الطيران النفاث او المسير او عبر الخلايا الإرهابية التي حركتها في الجزيرة السورية و الانبار العراقية التأثير على هذا الطريق فضلا عن استمرار احتلال اميركا لقاعدة التنف السورية لقطع الطريق من بغداد الى دمشق ، الا ان قوافل اللوجستية العسكرية التابعة لمحور المقاومة تتقن اختيار الطرق و التسرب و التحرك بعيدا عن المخاطر التي تشكلها اميركا و إسرائيل و الإرهابيون ، و يكفي ان نسمع من السيد حسن نصرالله انه في العام الفائت تضاعف عدد الصواريخ الدقيقة التي تملكها المقاومة في لبنان لنعرف مدى فشل جبهة العدوان في محاصرة المقاومة .

5) فشلت اميركا في كل ما قامت به من خلال سياسة الضغوط القصوى و الحرب النفسية العالية الشدة ، فشلت في تحقيق أي من اهدافها في مواجهة محور المقاومة عامة و ايران و سورية خاصة حيث انها لم تستطع انتزاع أي تنازل او تفرض أي تراجع في أي ميدان كان و يعتبر هذا الامر بالغ الأهمية على صعيد المواجهة و الحرب الشاملة التي لا يسعى اليها محور المقاومة اليوم و لكنه لا يخشاها في حين ان اميركا و إسرائيل باتتا في موقع يحسب الف حساب لمسالة الذهاب للحرب ، ففي حين كان قرار الحرب لديهما قرار يتخذ بإرادة منفردة حرة لا تراعي ظرفا او شرطا باتتا اليوم تنظران الى قدرات محور المقاومة و تتخذان القرار بناء لما هو عليه من قوة ما فرض وجود معادلة ردع استراتيجي خضعت لها اميركا بعد إسرائيل و لهذا استبعدنا ذهاب ترامب الى الحرب رغم جنونه بسبب خسارته الانتخابات .

وفي الخلاصة نقول ان ترامب أراد من جريمته ان يسبغ الامن على الاحتلال الأميركي في المنطقة بتفكيك محور المقاومة والاجهاز على مقاومات المنطقة، لكننا نرى اليوم ان المحور بات اشد تماسكا وقوة والاحتلال في مازق اشد خطورة والجريمة أعطت نتائج عكسية خلاف لما رمى اليه القتلة المجرمون.