"إهتِفي وآبتَهجي يا ساكِنَةَ صِهْيون فإِنَّ قُدُّوسَ إِسْرائيلَ في وَسْطِكِ عَظيم(أش12: 1-6)".

الواحد في الجوهر مع الله الآب. هو "العمانوئيل"، الله الذي أصبح معنا، لا لزمنٍ وزمنان، بل، سكن بيننا (يو1: 14)، نصب خيمته وسط شعبه ليبقى معنا على الدّوام وطول الأزمان، واختلط بحياتنا لدرجة أنّه أصبح في "طناجرنا ومقالينا" (القديسة تريزيا الطفل يسوع)؛ وفي كلّ ​تفاصيل​ حياتنا الصّغيرة والكبيرة، وهذا ما يجدر به أن يُشكّل سبب فرحٍ لنا.

إنّه "فرح ​الإنجيل​ الذي يملأ القلب و​الحياة​ بأكملها للذين يلتقون مع يسوع، فالذين يستسلمون له ليُخلّصهم يتحرّرون من الخطيئة، ومن الحزن ومن الفراغ الداخلي ومن العزلة" (​البابا فرنسيس​، فرح الإنجيل، 1).

هذا الفرح بشّر به الملاك الرّعاة قائلاً: "لا تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِلشَّعْبِ كُلِّهِ، لأَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ اليَوْمَ مُخَلِّص، هُوَ الـمَسِيحُ الرَّبّ" (لو2: 10-11). نفرح لأن رحمة الله افتقدتنا بالإبن المُتجسّد الذي نقلنا من حالة الموت إلى الحياة. ونفرح لأنَّ خطايانا غُفرت لنا. ونفرح لأنَّ باب السّماء فُتِح لنا على مصراعيه، لندخل منه ونرث الحياة الأبدية.

ولكن هذا الفرح ليس لنا وحدنا، وإنّما "للشّعب كلّه" أي للبشرية جمعاء. وإن كان أُعطي لنا بنعمة مجّانيّة، كثمرةٍ للقائنا الشخصي ب​المسيح​، فما ذلك إلاّ لكي نتقاسمه مع الآخرين؛ مع أخواتنا وإخوتنا، ومع كلّ الصّغار العطشى إلى كلمة الله، ومع الذين قست عليهم ظروف الحياة، ومع المُعذّبين في أجسادهم ونفوسهم، ومع الذي زاغوا عن خطّ الإيمان لأسباب وأسباب. فمن حقّ إخوتنا علينا أن نساعدهم على الإلتقاء بيسوع الذي التقينا به، والذي يُعطي حياتهم معنى، وبالمعنى الفرح. آمين

هوذا الله خلاصي فأطمئنّ ولا أفزع(أش12: 5)

جاء في نبؤة أشعيا:"فتَقولُ في ذلك اليَوم... هُوَذا اللهُ خَلاصي فأَطمَئِنُّ ولا أَفزَع" (أش12: 1-5).

نحتفل هذا العام بعيد ميلاد الربّ يسوع في الزّمن، في ظلِّ أوضاع استثنائيّة فرضتها جائحة ​كورونا​ وما تبعها من تداعيات سيّئة على حياة ​الإنسان​ ونفسيّته، وعلاقاته، وقدرته الإقتصادية.

وفي وطننا ​لبنان​، يأتِ العيد مُحمّلاً بأثقالٍ من نوع آخر؛ فإضافة إلى تداعيات الجائحة السيئة، و​الأزمة​ الإقتصاديّة التي يمرّ بها لبنان بسبب ​سياسة​ ​الفساد​ والإفساد التي مارسها العدد الأكبر ممَن تبوؤا سُدّة المسؤوليّات العامّة، وحرمت اللبنانيين من جنى عمرهم، وأفقرت غالبيّة الشّعب اللبناني. إضافةً إلى هذه كلّها، أتى الإنفجار المُروّع الذي حصل في ​مرفأ بيروت​، وأدّى إلى ما أدّى إليه من خسائر في الأرواح والمُمتلكات، ليقضي على ما تبقّى من آمالٍ، ويُهجّر خيرة ​الشباب​ بحثاً عن لُقمة عيش كريمة ومستقبل أفضل.

ولكنّ، وعلى الرّغم من عمق المأساة، ومن غياب أي عامل اطمئنان، نسمع كلمة الربّ تدعونا، على لسان النبي أشعيا، لأن "نطمئنّ ولا نَفزع". ولكن كيف ذلِك؟ كيف لنا أن نطمئنّ في ظلّ ما نعيشه من أزمات؟ كيف لنا أن لا نفزع في ظلّ سياسات القهر والإذلال والحروب التي تعصف بنا وبمنطقتنا؟

نطمئنُّ ولا نفزع، لأنّنا نؤمن بوعود الله لنا وبكلمته الصّادقة التي خاطبنا بها عبر تاريخ الخلاص كلّه، هو الذي قال: "لَنْ أُهْمِلَكَ، لَنْ أَتْرُكَكَ!"(يش1: 5). هذه هي رسالة ​الكتاب المقدس​ لنا...للإنسان: "الله لا يُهمل، ولا يترك، ولا ينسى شعبه لأنّه صُنعُه وعمل يديه(إي10: 3)"،"هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ(إش 49: 15)".

ونطمئنّ ولا نفزع، لأنّ إلهنا "ساكن السّماوات(مز121: 1)"، أصبح ساكن الأرض. ولأنّ "الكلمة التي كان منذ البدء، عند الله(يو1: 1)"، "صار بشراً، ونصب خيمته بيننا(يو1: 14)" ليجعل من الأرض سماءً بحضوره فيها، ويجعلنا نُقيم في السّماء "منذ الآن" إن نحن آمنّا به، وعملنا بكلامه، وقبلنا بأن نسير على خُطاه في الطريق المؤدّية إلى الملكوت، وعندها نَقُولُ واثِقِين: "أَلرَّبُّ عَونٌ لِي، لَنْ أَخَاف: مَاذا يَصْنَعُ بِيَ البَشَر؟(عب13: 5-6)".

يحمل ​الميلاد​ لنا في كلّ سنة الرسالة نفسها: يسوع آتٍ ليُحقّق ​السلام​ وليُغيّر وجه عالَمنا. ليجعله عالماً أفضل يليق بالإنسان، عالماً خالٍ من الحروب والأزمات. ولكن، وللأسف الشديد لا شيء من هذا يحدث، بل نجد بأنَّ الأمور لا زالت تنزلق باتّجاه مأساوي، وهذا أمرٌ مُحزن!.

علينا أن نعي بأنَّ السلام الذي حمله الله لنا في ابنه يسوع ليس سحراً، وأنَّ وجه عالمنا لا يتغيّر من تلقاء نفسه من دون أي جهد نقوم به، بل يتغيّر بمجهود الإنسان المؤمن. الإيمان يُجمِّل النفس البشرية، التي بدورها تطبع ​العالم​ بالجمال، وعندها تتوقف الحروب على تنوّعها، وتتغيّر الأوضاع لصالح الإنسان، وتنعم البشرية بالسّلام.

وُلِد يسوع في العالم ليُولد بشكلٍ دائم في قلوبنا، فتُصبح الأرض سماء تليق بسكنى الإنسان، وبسكنى الله في الإنسان.

ميلاد مجيد