دخل ​لبنان​ إعتبارًا من السابع من كانون الثاني مرحلة إغلاق جديدة، في الوقت الذي بلغ فيه مَجموع الإصابات بوباء ​كورونا​ منذ أقل من عام حتى تاريخه، أكثر من مئتي ألف إصابة، واقتربت فيه أعداد الوفيّات من عتبة الألف وستمئة وفاة، والحبل على الجرّار. والأخطر أنّ عدد المُصابين يرتفع حاليًابوتيرة سريعة جدًا، تبلغ بضعة آلاف يوميًا، بشكل باتت فيه المُستشفيات عاجزة عن التعامل مع الحالات الصعبة التي تتطلّب المُعالجة داخل غرف العناية الفائقة. فهل سينجح ​الإقفال​ الحالي في تمكين القطاع الطبّي من إستعادة السيطرة، وبالتالي في تجنيب اللبنانيّين الكارثة الصحيّة المُّرتقبة؟.

بداية، لا يختلف إثنان أنّ كل اللبنانيّين الذين ليس لديهم أيّ دخل بالعملة الأجنبيّة، يعيشون حاليًا ضائقة ماليّة خانقة، وأنّ الكثير من اللبنانيّين لا يكسبون أيّ اموال في حال بقائهم في المنزل من دون عمل. وبالتالي، إنّ الإلتزام بإجراءات وقف العمل، والبقاء في المنزل، يُشكّل مُصيبة جديدة تُضاف إلى عشرات المصَائب التي ضربت اللبنانيّين في المرحلة الأخيرة.لكن على الرغم من ذلك، كان من المُمكن تقبّل الأمر على مَضض، إنطلاقًا من القول الشائع "الظُلم في السويّة عدل في الرعيّة"، لكنّ المُشكلة الكبرى أنّ السُلطات المَعنيّة في لبنان، تقوم ومع كل إقفال إضطراري جديد للبلاد، بإصدار لائحة طويلة من الإستثناءات، بحيث تُفقد الإقفال جدواه مُسبقًا، وتدفع كلّ المُتضرّرين من الإقفال، إلى التحايل على الإجراءات، والسعي للتفلّت منها، بحيث ستتصاعد الإعتراضات وستكثر المُخالفات تدريجًا مع مرور الأيّام!.

فبأيّ منطق ووفق أي معيار يتمّ مثلاً إستثناء محلات بيع الزُهور والشُتول من الإقفال؟! والحجّة المُعطاة بأنّ الزهور والشتول لا تعود صالحة للتسويق في حال عدم بيعها عند نُضوجها، مَردودة لأصحابها، بإعتبار أنّ حفلات الزفاف والمآتم والمُناسبات الإجتماعيّة والحفلات الخاصة والعامة-على أنواعها، مَمنوعة، وبالتالي من سيشتري باقة زُهور، ولمن سيُقدّمها، وفي أي مُناسبة؟! وفي كلّ الأحوال، إذا كان صاحب محلّ الوُرود سيُعطى إستثناء ليعيش، ألا يحقّ لصاحب محل بيع الثياب أو الأحذية–على سبيل المثال لا الحصر، أن يُمنح إستثناء ليعيش هو أيضًا، ومن سيشتري ثيابًا أو أحذية شتويّة عند مُشارفة فصل الشتاء على الإنقضاء عند إعادة فتح الأسواق في الأوّل من شباط المُقبل–كما هو مُفترض؟!.

وبأيّ منطق ووفق أي معيار، يتمّ السماح مثلاً لمحل يبيع الحلويات بالعمل طوال النهار، ولوّ بشرط التوزيع بخدمة التوصيل؟! فمن سيضمن التنفيذ لجهة عدم دُخول أي زبون إلى المحلّ؟ وكيف يُمكن إقناع صاحب مصلحة يعمل في محلّ مجاور لمركز بيع الحلوى، بالإقفال، بينما جاره يعمل كالمُعتاد؟ وهل أكل الكاتو والحلوى من الضروريّات التي لا يُمكن الإستغناء عنها لأسبوعين أو لثلاثة أسابيع؟!.

أكثر من ذلك، عن أي إحترام لمسافة تسعة أمتارمربّعة للشخص الواحد بالنسبة إلى المتاجر الكُبرى("سوبرماركت" وحتى "ميني ماركت") يدعو قرار الإقفال، والناس تتحرّك بشكل فوضوي من دون أي إحترام لأي خُطوط تباعد ولأي خدمة مُنظّمة، علمًا أنّ الكثير من هذه المحلّات التجاريّة تُكدّس بضائعها في وسط الممرّات بحيث يُضطرّ المُتسوّقون إلى المرور جنبًا إلى جنب بالقُوّة، وحتى إلى التلامس عن غير قصد؟! وعن أي تطبيق للإجراءات تتحدّثون، في الوقت الذي تشهد فيه أسواق الخُضار كل أنواع الإهمال والإستهتار عن جهل أو عن عمد، لا فرق، من دون تحرّك القوى الأمنيّة لقمع هذه المُخالفات؟!.

للمرّة الألف نقول، ليس المَطلوب الإقفال، طالما أنّتم عاجزون عن تطبيقه بالقُوّة على الجميع، ومن دون أي إستثناءات! وبالتالي، إذا كنتم عاجزين عن جعل المواطنين يبقون في منازلهم، وعلى منع الزيارات الإجتماعيّة–كما يحصل في بعض الدول الغربيّة، ومنها كندا على سبيل المثال لا الحصر، لكي نتمكّن من خفض أعداد الإصابات بشكل فعلي، عليكم ترك الناس في أعمالها، لكن بشرط تطبيق إجراءات التباعد الإجتماعي وعدم التخالط وإرتداء الكمّامات، على أن تكون العُقوبات مُتشدّدة جدًا، وعلى أن تكون محاضر الضبط باهظة. فالجهلة والمُستهترون بحياة الجَماعة لن يلتزموا بالإجراءات المَطلوبة لتخفيف الإصابات، إلا بالقُوة وعن طريق الخوف من العُقوبة، طالما أنهم يستخفّون بخطر وباء كورونا، ولا يحترمون حق كل إنسان بالعيش! والأهم ممّا سبق، على السُلطات المعنيّة أن تفهم أنّ مساحة لبنان ليست مَحصورة في سوقي جونية والزلقا، وفي بعض أحياء المتنوبيروت، بل تمتد من أقصى عكّار إلى أقصى القرى الحدوديّة الجنوبيّة، مُرورًا بالبقاع، ما يستوجب التشدّد في كل الأماكن وليس "على ناس وناس"!.

وفي الخلاصة، للإجابة على السؤال المَطروح في المُقدّمة، الإجابة الأوّلية المَبنيّة على تحليل المُعطيات الحالية، مع مُقارنتها بنتائج التجارب السابقة،تقودنا للأسف إلى جواب سلبي! وبكلّ وُضوح، يُمكن القول: كلا، لن ينجح الإقفال الحالي، والنتيجة ستكون فاشلة مرّة جديدة، ما لم تُسارع السُلطات المعنيّة وبشكل فوري، إلى إلغاء كل الإستثناءات، والأهمّ إلى فرض التباعد الإجتماعي وإرتداء الكمّامات على الجميع بالقُوّة وعن طريق فرض الغرامات والعُقوبات المُوجعة، وذلك في كل أماكن التخالط المُحتملة، وليس فقط بالنسبة إلى قرار مفرد مجوز المُضحك-المُبكي!.