لا يمكن الا التوقف ملياً عند الاحداث التي شهدتها ​الولايات المتحدة​ والتي تعتبر سابقة خطيرة جداً، على الرغم من كل الامور التي قام بها الرئيس الاميركي المنتهية ولايته ​دونالد ترامب​ منذ تسلمه المنصب وحتى اليوم. ما فعله ترامب في السادس من هذا الشهر ستبقى آثاره السلبية لعقود من الزمن، فهو في اقل تقدير، جيّش وشجّع واعطى الدفع اللازم لانصاره للقيام بما لم يتوقع احد ان يقوموا به، وهو اقتحام مبنى "الكابيتول هيل" و"احتلال" المقرّ ولو لبضع ساعات، وهو ما اسفر ايضاً عن سقوط دماء زادت الامور تعقيداً وقتلت المفاهيم الاميركية التي لطالما تغنى بها الاميركيون. لم يرد ترامب التسليم بالخسارة مهما كانت الظروف، ولولا الخجل ربما، لدعا بنفسه انصاره الى القيام بما قاموا به واكثر من ذلك، وهو امر ظهر بشكل واضح في الساعات الاولى من تجمّع المناصرين امام الكونغرس. عمى ترامب هذا المتعطش للتمسك بالرئاسة، جعله ينسى كل شيء بما فيه مصلحة بلاده ومصلحة حزبه، واستدرك ممثلو ​الحزب الجمهوري​ هذا الامر فانقلب غالبيتهم عليه، وتركوه وحيداً في مناداته ومناشداته لهم لمحاولة قلب نتيجة الانتخابات، فيما اسودّت وجوه القلّة من الجمهوريين الذين بقوا على ولائهم له، بعد الاحداثالدامية التي حصلت، فانكفأوا من تلقاء نفسهم لعدم قدرتهم على المواجهة وفقدان كل حسّ رسمي ووطني يخوّلهم محاولة اقناع الآخرين بوجهة نظرهم.

ليس من السهل على الاميركيين ان يسمعوا تعليقات من دول عالميّة صديقة وحليفة لهم، تنتقد ما حصل، وتتدخل في شؤونهم الداخليّة، وتدعوهم الى التقيّد برغبة الشعب الذي انتخب ​جو بايدن​، بعد ان كانت اميركا تعطي الدروس بالديمقراطيّة واحترام الدستور، وتهاجم دولاً وشعوباً لانقلابها على هذه الاسس. انقلب سحر ترامب عليه، وبعد ان راهن على امكان استمرار انقسام الشعب الاميركي لحثّ الكونغرس على ابقاء ظلّ من الشك على نتيجة الانتخابات، حصل العكس تماماً، لا بل بات ترامب اليوم اضعف من اي وقت مضى في السلطة بعد ان تخلى عنه نائبه. هذا الامر يعني ايضاً ان أي طموح للرئيس المغادر بعد ايام، بتوجيه ضربة عسكريّة الى ​ايران​ -وفق ما كانت تتناقله وسائل إعلامية كثيرة في الآونة الاخيرة تكون بمثابة ضربة وداعية له قبل ان يترك منصبه- بات بعيد المنال. اما السبب فيعود الى التشكيك بكل ما يقرّره ترامب، ومن ذا الذي سيتحمل مسؤوليّة تنفيذ أيّ قرار على هذا المستوى ويهدّد مسيرته المهنيّة لعلمه علم اليقين ان ادارة بايدن ستنهي باكراً أي فكرة تراوده في التقدّم بمنصبه او حياته العسكريّة، خصوصاً وان ​البنتاغون​ والقيّمين عليه في ادارة ترامب أذاقوا بايدن وفريقه الأمرّين واغلقوا عليهم باب التعاون بشكل مباشر، وهو أمر سيؤدّي حتماً الى مناقلات كبيرة على مستوى القيادة وايضاً على مستوى المراكز الاساسيّة. وبالتالي، سيكون من الصعب فعلاً الحصول على ضوء أخضر لأيّ ضربة عسكريّة، من الكونغرس، وسيكون من الصعب جداً تنفيذ اوامر ترامب اذا صدرت في هذا السياق.

لحسن الحظ أنّ مخطط ترامب لم ينجح، لانه لو نجح بالفعل، لربما كنا امام سابقة اخرى اكثر خطورة وهي مواجهات مسلّحة بين الاميركيين كانت ستؤدّي الى ما لا تحمد عقباه، ليس فقط على الصعيد الاميركي الداخلي، بل على صعيد العالم أجمع، نظراً الى الدور الاميركي في العالم على اكثر من صعيد. ولكن ما لا يمكن التشكيك فيه هو أنّ ترامب أعاد الجمهوريين سنوات الى الوراء وعليهم العمل بشكل مضاعف على استعادة صورة حزبهم لدى الناس، ومحاولة إزالة صورة ​اقتحام الكونغرس​ وتداعياته من أذهان الاميركيين، وهو ليس بالامر السهل.