ما حصل في بلاد الحرية والديمقراطية و يمكن حصوله مستقبلاً ليس بالامر المستغرب فذلك هو نتاج طبيعي لحكم رئيس او قاض مصاب برهاب الغياب عن دائرة الضوء او الخروج من مركز القرار وفقدان ​السلطة​ حينها تتقدم المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن من خلال اتباع اساليب وطرق ملتوية مشبوهة فيُقدِم الرئيس او المسؤول الخائف من خسارة السلطة على ممارسة ​الفساد​ فيحلله ليصبح سبيلاً لاشباع شبق الاحتفاظ او البقاء في السلطة ولو على حساب دماء المواطن و المجتمع فيتبخر الانتماء الوطني ليذهب باجازة مفتوحة ويتفلت التماسك الاجتماعي من راوبطه الوطنية ويتحلل من اواصر القربى فيصاب المجتمع بالتشظي والتفكك لتفتك به ​العنصرية​ والاصولية والمناطقية وحتى الطائفية والمذهبية

هذه هي الصورة التي خيمت على بلد "الحرية والديمقراطية" واستهجن ​العالم​ تلك المشاهد الشائنة التي ستبقى عالقة في اذهان الامريكيين لفترات طويلة كعلامة فارقة في تاريخ امريكا

مما لا شك فيه ان ​الولايات المتحدة​ الامريكية تشهد تحولاً غير عادي على صعيد الاتحاد ومن الممكن ان يعود بها التاريخ الى ما قبل الاتحاد الفيدرالي

البعض يرى ان ما شهدته امريكا بالامس هو حدث عابر ولا يمكن ​البناء​ عليه لاحداث كوة في جدار النظام الامريكي ولن يؤدي الى متغيرات في تركيبة المجتمع الامريكي المتنوع

اما البعض الاخر فقد وصف المشهد الامريكي بانه الاسوأ في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية لان ما حصل كان صادماً للمجتمع الامريكي وللعالم وسيترك ندوباً عميقة وظاهرة على جسد الديمقراطية في النظام الامريكي

وفي مقارنة سريعة بين رئيس امريكي منتهية ولايته يعتلي منصة الخطاب من خلف ستار زجاجي مضاد للرصاص مطلقاً كلمات نابية لا تليق بمنصب رئيس دولة كبرى متهماً ​وسائل الاعلام​ الامريكية بالسوقية والانحراف و يدعو نائبه لقلب نتائج ​الانتخابات​ باي وسيلة كانت ويحرض مؤيديه على الفتنة والانقلاب على مؤسسات التشريع ليس دفاعاً عن الديمقراطية بل لتنفيذ رغبته البقاء في مركز السلطة

وبين ‏رئيس امريكي منتخب اطل على الشعب بخطاب مسؤول هادئ ومتوازن يدعو الى التكاتف واحترام ​الدستور​ والى عدم التفريط بنعمة الولايات المتحدة الامريكية وصون تماسك المجتمع الامريكي

من اجل بقاء امريكا قوية استشعاراً منه بخطورة الاحداث وتأثيرها وخوفاً من طبع تلك الصورة الشائنة في اذهان اجيال ‏امريكا فان التاريخ وبدون شك سينصف الرئيس الذي تجنب الفتنة بين مكونات الشعب و تمسك بوحدة المجتمع والوطن

امريكا تغيرت ولبست ثوباً جديداً لكنه يبدو مترهلاً ويصعب رتقه او اصلاحه الا اذا اتبعت امريكا الحمية في سياساتها الخارجية والتفتت الى تحصين وحدتها الداخلية وغيرت من حجمها وحماية جلدها من تجاعيد ​الشيخوخة

امام هذا المشهد نستطيع القول ان امريكا بحاجة الى عشرات السنين ولاجيال جديدة تحمل الفكر والعقيدة في الحفاظ على وحدتها وفي الانتماء الوطني من اجل اصلاح ما خلفه حكم اربعة اعوام في ظل رئيس فاسد وارعن يحرض على الفتنة بين ابناء الوطن الواحد معرضاً السلم الاهلي للتهديد الجدي ضارباً ب​سلامة​ الوطن والمواطن وبامن المجتمع الامريكي عرض الحائط بعدما اطاح بالقوانين والدستور وحلل المحرم وحرم المحلل فقط لاجل البقاء في مركز السلطة

ولان اصلاح ما خلفته إدارة ذاك الحاكم ​الفاسد​ بحاجة لاجيال امريكية جديدة تقر بحقوق وحرية الشعوب في ​تقرير​ مصيرها اجيال نابذة للعنصرية منخرطة في الانتماء الوطني الحقيقي القائم على مبدأ المساواة بين مختلف اطياف المجتمع الامريكي والى احترام ​الانسان​ وحقوقه المدنية مهما كان لون بشرته او طائفته او دينه او مذهبه

وهنا لا بد لنا من سؤال

اوليس ما جرى في امريكا يوم امس هو صورة مطابقة عما جرى ويجري في بلادنا العربية ومنذ اكثر من نصف قرن

ان معظم حكام بلادنا العربية تخلوا عن الانسانية وطردوا الضمير من قصورهم بعدما باعوا كراماتهم لرئيس فاسد ينفذون اجندات امريكية وحولوا شعوبهم ومجتمعاتهم الى عشائر وطوائف ومذاهب واعراق وحتى الى فروع ممنوع عليهم نبذ الطائفية والمذهبية والعشائرية وممنوع عليهم الانصهار في الوحدة والانتماء العربي ومن غير المسموح لهم الشعور بالانتماء الوطني الخالص وبذلك يصبح الشعب تحت حكم المنفّذ ذاك الذي ينفذ ما يطلب منه شرط الحفاظ على حياته وحماية حكمه وعرشه ولو على حساب مصلحة الشعب والوطن ومصلحة الانتماء للهوية القومية

قلة قليلة من رؤساء دولنا العربية تمسكت بالضمير الانساني فانبثق منه الانتصار للانسانية تجسد برئيس مؤمن بهويته القومية العربية وبتحرير ارض وطنه العربي من الانتداب الاجنبي ومن ​الاحتلال الاسرائيلي​ ولم تثنه الاغراءات والضغوط والمؤامرات الدنيئة ولا الحروب الظالمة على بلده متخذاً القرار التاريخي بسلوك درب الدفاع عن كرامة وطنه و عن وحدة ارضه شعبه وصون وتماسك مجتمعه وفوقهم دفاعاً عن الحق العربي مهما بلغت التضحيات ليدخل التاريخ من اوسع ابوابه ويدون اسمه ودوره بصفة المنقذ للاجيال

هؤلاء الرؤساء افرد التاريخ المشرف لهم و لاسمائهم ولسجل حكمهم صفحاته الناصعة تحكي للاجيال عن تضحياتهم الجسام في سبيل انقاذ اوطانهم وشعوبهم من اي ارتهان او احتلال

بين المُنقذ والمُنفّذ وفي لحظة تاريخية سقطت الولايات الامريكية في فخ التشظي والتحلل من الوحدة الاتحادية ليسقط معها حكام دول عربية جعلوا من انفسهم مجرد نواطير لحماية الفساد يأتمرون بإمرة الفاسد وينفذون ما يطلب منهم ولو كان عكس مصالح الشعب والوطن اولئك سيصنّفهم التاريخ في خانة الاجراء المنفذين للاوامر الامريكية الاسرائيلية

اما ​جمال عبد الناصر​ وحافظ الاسد و​بشار الاسد​ و​اميل لحود​ و​سليم الحص​ هؤلاء القادة الذين مارسوا السلطة بضمير وطني وبتجرد وتعفف عن اية مصالح شخصية وانكروا الذات وانقذوا الانسان والوطن والشعب من سطوة الانتداب او الاحتلال رغم الضغوط والمغريات اولئك سيفتح لهم التاريخ صفحاته المجيدة لتكتب اسماؤهم في خانة القادة الخالدين المنقذين لأوطانهم.