ليس خفياً على احد ان النائب ​جبران باسيل​ من الشخصيات اللبنانية الاكثر اتّهاماً بتعطيل الحياة السياسية في لبنان، كما انه من بين الشخصيات الاكثر جدلاً بالنسبة الى اللبنانيين. من الطبيعي ان يبالغ البعض ايجاباً او سلباً في تقييم دور باسيل، ولكن الموضوعيّة تفرض حكماً الاعتراف بأنّ باسيل ليس هو الوحيد سبب عرقلة الحلول السّياسية في لبنان، كما انّه ليس الشخصيّة الوحيدة التي تتحمّل مسؤوليّة ما آلت اليه الامور في هذا البلد. حين تحدث رئيس ​التيار الوطني الحر​ بالامس، بدا وكأنّه يعاني من ضغوط دفعته للحديث عن كل الامور وفق ما يشاء، بما يعني انّه قرر نقل هذه الضغوط عن كاهله الى كاهل الجميع وبالاخص رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، دون ان يعفي القريبين والبعيدين من التيارات والاحزاب السياسية ايضاً. ويقيناً، لو كان باسيل وحده المعرقللكانت الامور اكثر بساطة، لانّه لا يمكن لشخص واحد مهما كان دوره في لبنان، ان يقف في وجه تسويات على مستوى دولي، وهذا بحدّ ذاته يعني انّ المعرقلين كُثُر وينتمون الى توجهات سياسية مختلفة دولياً.

ما قاله باسيل امس يعني ببساطة انه لم يعد من المقبول بقاء الحريري في السلطة، وانّه لا مشكلة اذا شارك التيار الوطني الحر بالحكومة العتيدة ام لا، لانّ الواقع سيكون عندها مغايراً لما هو عليه اليوم. ايّ انه لن يكون كافياً رضى رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ وبعض القوى السياسية على تكليف الحريري والسير به كي تجد الامور حلّها السحري، لا بل اكثر من ذلك، يبدو انّ التوجه قد ثبت على وجوب اعادة درس الخيارات مع ​حزب الله​ لتتخطى مسـألة ​المقاومة​ والوقوف في وجه اسرائيل، الى ما هو ابعد من ذلك عبر الاتفاق على بعض الامور الداخليّة التي من شأنها ضمان عدم تلاشي مستقبل الطرفين في شؤون تتعلق بالسياسة والمسائل الاقتصادية والمالية والطاقة وغيرها... وهذا يكون مقدمة او تمهيد للدعوة الى حوار وطني لاعادة الاتفاق على توافق الامور في البلد وعدم تغليب كفّة على اخرى. ولكن هذا الطرح الباسيلي لن يكون هو الحل المنتظر، لانه يدرك قبل غيره ان أيّ حوار لن يقتصر فقط على اللبنانيين، وسيكون الحضور الدولي فيه بالسرّ والعلن، وهذا كفيل باعادة الامور الى نقطة البداية، وفرض الشروط الجيّدة والسيّئة معاً، وهي تلك التي وصف جزءاً منها على انها "استسلام"، مع التأكيد هذه المرّة انّه لن يكون هنا من مفرّ سوى تنفيذها لانّ البديل عن الاستسلام سيكون اكثر قساوة على اللبنانيين، ولن يتمتّعوا برفاهية الرفض والعنجهيّة في هذا المجال، فبين مطرقة "كورونا"وسندان الازمة الاقتصاديّة والماليّة، وفي ظل غياب الحسّ الوطني الكامل للفرقاء اللبنانيين بكامل اطيافهم، ستكون هذه الشروط "اللقاح" الوحيد المتوافر للخلاص، مع الاشارة الى عدم استعجال الدول الكبرى لايجاد الحلول، بعد ان تلقّت ​فرنسا​ صفعة في هذا المجال ليس فقط من اللبنانيين إنّما من الاميركيين ايضاً في حينه.

في مابدا انّه خريطة حل طرحها، اوصل باسيل الفكرة واضحة الى الجميع بأنّ المرحلة المقبلة ليست كما توقّعها البعض، مرحلة الحلول، بل مرحلة ترقّب اضافي وانتظار لمعرفة التوجّهات الدوليّة في ظلّ المتغيرات التي حصلت وتحصل، فيمالا يجب الرهان على الضغوط على طرف واحد، لانها ستزيد الامور تعقيداً لن تؤدّي الى تحسّن الاحوال والظروف، هذا هو حال الوضع ومن يملك حلولاً اخرى قابلة للتنفيذ فليطرحها وليسارع الى تنفيذهاوالاّ، فليركب قطار اللامحطّة الذي بتنا جميعاً على متنه.