ما جديد قضيّة الإنفجار في مرفأ ​بيروت​، وهل من أمل بمُعاودة ال​تحقيق​ات قريبًا، بعد إنقضاء أكثر من خمسة أشهر على وُقوع الإنفجار المَشؤوم، وبعد مُرور أكثر من شهر كامل على تجميد هذه​التحقيقات​؟.

بداية، لا بُدّ من التذكير أّنّه في 18 كانون الأوّل الماضي، علّق المُحقّق العدلي في قضيّة إنفجار الرابع من آب، فادي صوّان، تحقيقاته، في إنتظار البت بالمُذكّرة التي رفعها وزيران سابقان أمام ​النيابة العامة​ التمييزيّة، والتي طلبا فيها نقل الدَعوى إلى قاض آخر، بداعي "الإرتياب المَشروع"من القاضي صوّان الذي كان قد إدعى في العاشر من الشهر عينه على كلّ من رئيس حُكومة ​تصريف الأعمال​ حسّان دياب، وثلاثة وزراء سابقين(1)، إلا أنّ أحدًا منهم لم يحضر إلى جلسات الإستجواب بإستثناء وزير سابق واحد حضر في غير موعد الجلسة، بسبب إفتقاره إلى الحصانة النيابيّة المنصوص عنها في المادة 40 من الدُستور، بعكس الوزيرين السابقين الآخرين المَحسوبين على رئيس مجلس النوّاب ​نبيه برّي​. وتعدّدت حجج التغيّب، ومنها مثلاً عدم التبلّغ بالدَعوى أصولاً، والتمسك بحصانات نيابيّة ووزاريّة، إلخ. ودخل التحقيق في غيبوبة ظرفيّة–إذا جاز التعبير، علمًا أنّه كان من المُفترض أن يتمّ البتّ بالطلب المُحال إلى ​محكمة التمييز​ الجزائيّة في غُضون عشرة أيّام كحدّ أقصى من تاريخ رفع المُذكّرة، لكن إنقضت المهلة منذ نهاية الشهر الماضي، ولم يتمّ الإعلان بعد عن النتيجة حتى تاريخه، علمًا أنّ محكمة التمييز كانت قد أنجزت في نهاية العام الماضي كل التبليغات المَطلوبة لكلّ أطراف الدعوى، للحُصول على إجاباتهم في القضيّة!.

وبحسب المَعلومات غير الرسميّة المُتوفّرة حاليًا،يبدو أنّمحكمة التمييز أصدرت قرارًا بإعادة الملفّ للمُحقّق العدلي إلى حين البتّ نهائيًا بطلب نقل الدعوى، وبالتالي من المُفترض أن يُتابع المُحقّق العدلي تحقيقاته في المُستقبل غير البعيد،مُستندًا من جهة إلى قُوّة القانون، ومن جهة أخرى إلى الدعم الذي يلقاه من مجلس ​القضاء​ الأعلى، ومن قبل أهالي ​ضحايا​ إنفجار ​المرفأ​، ومن المُتضرّرين من الإنفجار جميعهم، وكذلك من التأييد الشعبي الواسع والواضح على صفحات التواصل الإجتماعي. لكنّ الطريق لن يكون مَفروشًا بالورود أمام هذا التوجّه، حيث يُوجد تلاقي مصالح سياسي على إزاحة القاضي صوّان، علمًا أنّ مجلس النوّاب لا يزال مُصرًّا على تزويده بالمُستندات وبالوثائق التي دفعت قاضي التحقيق إلى الإدعاء على عدد من النوّاب الحاليّين، وكذلك على مُراعاة عمليّة التبليغ بشكل رسمي أيضًا.

وعلى خطّ مُواز، تحرّك ملفّ الإنفجار مُجدّدًا على المُستوى الخارجي، حيث أصدر ​الإنتربول​ الدَولي ما يُسمّى "​النشرة​ الحمراء"، بحقّ كلّ من مالك سفينة "روسوس" التي نقلت نيترات الأمّونيوم إلى ​لبنان​، رجل الأعمال الروسي إيغور جريشوشكين، وقُبطان ​السفينة​ بوريس بروكوشيف، وتاجر النيترات البرتغالي خورخي مانويل، وذلك بناء على طلب المُدعي العام التمييزي غسّان الخوري. لكنّ البحث عن هؤلاء المَطلوبين، وتوقيفهم، والتحقيق معهم بقضيّة تعود بداياتها إلى العام 2014، لن يكون سهلاً. وقد سبق وأن جرى التحقيق في مرحلة سابقة مع قبطان السفينة، لكنّه أنكر تورّطه بأي شيء غير قانوني، وتسلّح بمسألة توقيفه في بيروت ومن ثمّ الإفراج عنه وتركه يُغادر بشكل قانوني.

وبحسب رأي أكثر من مُتابع لقضيّة إنفجار المرفأ، إنّ العقبات التي تُواجه التحقيق عُمومًا، لا تقتصر على تعقيداتها الدَوليّة، ولا على الحمايات السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة التي جرى تحريكها من قبل أكثر من جهة في لبنان، دفاعًا عن شخصيّات مَحسوبة عليها، جرى توقيفها أو تمّ إستدعاؤها إلى التحقيق، بل تشمل طبيعة الإستدعاءات الأخيرة للقاضي صوّان، والتي تركّزت على مسألة الإهمال والتقصير الوظيفي، من دون الغوص حتى الساعة–أقله في ما تسرّب إلى وسائل الإعلام، في جوهر القضيّة. وبحسب هؤلاء من الضروري أن يتقدّم التحقيق قُدمًا إلى المَضمون، أي إلى خفايا القضيّة المُلتبسة، لجهة تحديد هويّة الجهة التي طلبت شحنة نيترات الأمونيوم، وتحديد الوجهة النهائيّة الأصليّة للسفينة المَعنيّة، والوجهة النهائيّة للشحنة المَنقولة على متنها، والكشف عن كميّة النيترات التي إنفجرت، وتحديد ما إذا كان قد حصل تهريب أو سرقة لهذه المواد قبل الإنفجار، إلخ.

في الخُلاصة، الأيّام المُقبلة قد تكشف الإتجاه الذي سيأخذه التحقيق في إنفجار ​مرفأ بيروت​، فإذا كان القاضي صوّان سيبقى مُحققًا عدليًا في القضيّة، عليه أن يتقدّم بثقة وبحزم، لجهة القيامبتحديدمواعيد جديدة لجلسات الإستجواب-ربما فور إنتهاء الحجر الحالي،وكذلك لجهة القيام بتوسيع دائرة الإستدعاءات، حتى لا يُتّهم بالإستنسابيّة، على أن يكون جاهزًا لإصدار مُذكّرات توقيففي حال تخلّف المَطلوبين مُجدّدًا عن الحُضور. وفي حال عدم حُصول هذا السيناريو، فإنّ إعلان القضاء العجز عن مُتابعة التحقيق، يبقى أقلّ سوءًا من تحقيق ناقص ومَبتور، يطال بعض الموظّفين وبعض الضُبّاط المأمورين، من دون القُدرة على مُحاسبة من هم في موقع المسؤوليّة العُليا!

(1) ​وزير المالية​ السابق ​علي حسن خليل​، والوزيران السابقان للأشغال ​غازي زعيتر​ و​يوسف فنيانوس​.