لم تكن الامور بحاجة الى "فضيحة" كما تم تسميتها، تتعلق بالكلام الذي قاله ​رئيس الجمهورية​ حول رئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​، وما تبعه من توضيح وتعليق وكلام وردود... لتبيان ان العلاقة بين الرجلين تفتقد شيئاً ما، لا يزال البحث عنه سارياً. لم يكن هناك من حاجة للاستعانة بالفضائح، ولا بالمنجمين، فقد قالها الحريري نفسه بالفم الملآن في زيارته الاخيرة الى ​قصر بعبدا​ قبيل انتهاء العام الفائت، حين تحدّث عن وجود ازمة ثقة، ناهيك عما قاله النائب ​جبران باسيل​ منذ ايام عن عدم الثقة بتسليم الحرري وحده مسؤولية انقاذ البلاد. هناك حلقة مفقودة بين عون والحريري، ولم يستطع رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ ولا ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ ايجادها او العمل على خلقها لاعادة ​المياه​ الى مجاريها، واذا كان هناك من بقي متوهماً حتى الآن، فإن المؤكد هو ان لا وّد ولا علاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف. اما وقد اصبح هذا الواقع معلوماً، فماذا بعد؟ لا يستطيع عون "التخلّص" من الحريري لاسباب واسباب، ولا يمكن للحريري "القفز" فوقعون مهما كان اسلوب العمل الذي يتّبعهلتشكيل حكومة، حتى لو لم تحظَ بثقة مجلس النواب ليتحوّل عندها الحريري الى رئيس حكومة تصريف اعمال. الواقع الحالي يفرض التالي: مساكنة قسريّة بين الرجلين لولادة الحكومة، وهو امر مرتبط بزمان ومكان يحددهما اللاعب الدولي، الذي يبدو انّ الحريري لم يحدّد بعد بوصلته بشكل واضح، بدليل تنقلاته العديدة في الآونة الاخيرة، وعدم "تحصينه" الكافي باللقاحات اللازمة لمواجهة المشاكل الداخلية. وحتى في ما لو تمت "الحلحلة السحرية" كرمى لعيون الحكومة العتيدة، سيبقى شد الحبال قائماً بين الرجلين، ولكن ضمن اطار اللعبة السياسية المسموح بها، اي تحالف من هنا مع هذا الطرف لقطع الطريق امام ملف ما، وتحالف من هناك مع طرف آخر للغاية نفسها، وذلك تحت سقف يتم تحديده مسبقاً ولا يخرقه اي منهما ومن الاحزاب الاخرى.

ليس الوضع سمناً وعسلاً، ولم يتغيّر شيء منذ ما قبل ​تكليف​ الحريري وحتى اليوم في العلاقة بين الرجلين، وما قيل في العلن هو خطأ من دون شك لانه تخطى الغرفة التي كان يجري فيها الحديث، ولكنه بالتأكيد يقال في قصر بعبدا ويقال كلام مماثل عن عون في "​بيت الوسط​"، وهذا ما يعلمه كل زائر لهذين المقرّين، ويشعر به من لا يزروهما. كانت المهلة المحددة لتحريك المياه السياسية ال​لبنان​ية الراكدة، يوم تنصيب الرئيس المنتخب ​جو بايدن​ كرئيس فعلي للولايات المتحدة في 20 من الشهر الحالي، ولكن وفق التطورات المتسارعة ان في ​واشنطن​ او في باقي دول ​العالم​، فإن الامور باتت مرجحة لتأخذ وقتاً اطول، في ظل "غياب" عربي تام عن الساحة ليس بسبب استقلالية القرار انما بسبب غياب ​الضوء​ الاخضر الدولي، و"شلل" دولي ينتظر من ينتشله من مستنقع المشاكل الصحية والاقتصادية والمالية واستعادة الهوية الاميركية في ​اوروبا​ وغيرها من القارات. وليطمئن من يرغب في الاطمئنان، الى انه حتى ولو كانت الامور على افضل ما يرام بين عون والحريري، فالمشكلة ستبقى قائمة لانّ تشعباتها تتخطّى طبيعة العلاقة بينهما، لتصل الى طبيعة العلاقة الداخلية والخارجية بلبنان والافرقاء اللبنانيين، وهل آن لنا ان ننسى مشكلة العقدة الشيعيّة، والعقدة الدرزيّة، والعقدة السنّية؟... كل ما يتطلبه الامر موافقة دولية فقط، فتصطلح الامور في لبنان وتنظّم العلاقات بين الاطراف كافة، دون الحاجة الى الودّ والمحبّة بين اللاعبين المحليين. انها مسألة وقت، والانتظار قاتل بالنسبة الى اللبنانيين، ولكن لا مفرّ منه.