منذ "صدمة" الفيديو الذي يتناول فيها ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، خلال لقائه رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ ​حسان دياب​، دخل مسار ​تأليف الحكومة​ العتيدة مرحلة جديدة من الخلافات، مع العلم أن هذا المسار كان يعاني أصلاً من معضلة الخلافات الشخصية بين المعنيين في التأليف، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

دور هذه الخلافات في "العرقلة"، تأكد بشكل حاسم في زوال الأسباب الأخرى التي كان يتم الإشارة إليها، لا سيّما تلك المتعلق بالإستحقاق الرئاسي في ​الولايات المتحدة​، مع العلم أن العديد من الفاعلين في ​الحياة​ السياسية اللبنانية كانوا يؤكّدون أن ما ينقل على هذا الصعيد غير دقيق، ويصرون على أن مصدر "العرقلة" داخلي بالدرجة الأولى قبل أيّ أمر آخر.

إنطلاقاً من ذلك، تشير مصادر سياسية مواكبة، عبر "النشرة"، إلى أزمة التأليف معلقة في الوقت الراهن بإنتظار معالجة التوتر القائم على مستوى علاقة رئيسي الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، بعد أن كان الأخير يحصر المشكلة بتدخلاّت رئيس "​التيار الوطني الحر​" النائب ​جبران باسيل​، وتؤكد بأن الحريري لا يستطيع أن يتجاوز ما صدر عن عون في الفيديو المذكور بسهولة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا الفيديو أكّد ما كان معروفاً مسبقاً، لناحية عدم رغبة "التيار الوطني الحر" في إعادة ​تكليف​ الحريري ​تشكيل الحكومة​ التي قد تكون الأخيرة في ولايته، الأمر الذي تم التعبير عنه في أكثر من مناسبة، إلا أن التيار لم يكن يملك القدرة على عرقلة المسار الذي دخل فيه حلفاؤه في قوى الأكثرية النيابية، وبالتالي كان عليه التعامل مع هذا الواقع بطريقة أخرى، تمثلت بالسعي إلى تشديد شروط التأليف، خصوصاً بعد العقوبات الأميركيّة على رئيسه.

في المقابل، تؤكد المصادر نفسها أن رئيس الحكومة المكلف، الذي سعى بعد إستقالته في الماضي من ​رئاسة الحكومة​، على خلفية ​التظاهرات​ الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين الأول من العام 2019، إلى رمي كل مشاكل البلاد على كاهل "التيار الوطني الحر"، لم يقصّر في زيادة حدّة التوتر، من خلال طريقة تعامله مع رئيس التيار أو رئيس الجمهورية، فهو يدرك جيداً أنه لا يستطيع أن يؤلّف حكومة بعيداً عن رغبة "​الثنائي الشيعي​" أو رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" النائب السابق ​وليد جنبلاط​، إلا أنّه في المقابل يريد تجاهل عون وباسيل.

في ظل هذا الواقع المأزوم، يبدو أن رئيس الحكومة المكلف قرّر الإهتمام بأمور أخرى، أبرزها السعي إلى إبراز قدرته على الحضور في الساحتين الإقليميّة والدوليّة، من خلال الزيارات الخارجيّة التي يقوم بها، بالتزامن مع تسريب معلومات عن دور كبير يقوم به على مستوى الوساطات بين بعض العواصم، بانتظار ما قد يحصل من تطورات، في المرحلة المقبلة، على المستوى المحلي.

في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن رئيس الحكومة المكلف يسعى من خلال ما يقوم به للإيحاء بأنه بوابة لبنان إلى ​العالم​ الخارجي، بعد أن فشل رئيس حكومة تصريف الأعمال بلعب أيّ دور يذكر على هذا الصعيد، على قاعدة أن هذا الأمر من المفترض أن يعزّز الموقع الذي يتفاوض منه، في مؤشر إلى أنه يريد أن يردّ من خلال ذلك على محاولات دفعه إلى الإعتذار عن تأليف الحكومة.

وتؤكد هذه المصادر أن ذلك لا يلغي الدور الذي من الممكن أن يقوم به بعض "المصلحين"، خصوصاً "​حزب الله​" و​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​، تقريب وجهات النظر، لكنها تلفت إلى أنّ المهمة باتت أصعب من الماضي، بسبب تعاظم الخلافات إلى الحدود القصوى، الأمر الذي يتطلب معالجة دقيقة لا يبدو أن ظروفها متوفرة في الوقت الراهن، بالرغم من كل الصعوبات التي تمر بها البلاد.

في المحصّلة، الحكومة باتت "أسيرة" الخلافات الشخصيّة، التي يقدّم المسؤولون عنها مبررات متعددة لتعزيز وجهة نظرهم، بينما تغيب المخارج الدستوريّة، التي من الممكن أن تنهي ​الأزمة​ بطريقة أو بأخرى، بانتظار تسوية من الممكن أن تحصل في أيّ وقت، مع العلم أن تأخّر موعدها يدفع ثمنه جميع اللبنانيين دون إستثناء.