«لبنان ترك لمصيره»، بهذه العبارة، تلخّص مصادر دبلوماسية موقف الادارة الفرنسية من افشال العهد ورئيس الحكومة المكلف مبادرتها الانقاذية اتجاه لبنان...للمرة الاولى، تتسرب معلومات بهذه الجدية من الدائرة الفرنسية الضيقة...المصادر ذاتها اكدت ان باريس ابلغت جهات اساسية في لبنان بشكل غير رسمي «سحب يدها من مبادرتها» الانقاذية بعد امعان كل القوى دون استثناء في نسف اصل المبادرة وتقديم المصالح الفئوية الضيقة والخلافات الشخصية على المصلحة الوطنية.

ما يدعو للقلق هنا، ليس موقف الادارة الفرنسية ولكن توقيته غداة تسلم الرئيس الاميركي جو بايدن الحكم في ٢٠ الجاري، ما يعني نسف كل المعطيات التي تحدثت عن تشكيل الحكومة بعد خروج الرئيس الحالي دونالد ترامب من البيت الابيض.

مصادر داخلية عليمة وعلى اطلاع على مضمون المشاورات الحكومية اكدت بأن الموقف الفرنسي ليس بجديد ولا يجب تحميله اكثر مما يحتمل، فالادارة الفرنسية لن تسحب يدها من لبنان ومن مبادرتها بالمعنى الكامل ولكنها لم تعد مستعدة لالزام نفسها بمواعيد محددة بعد فشل مبادراتها المتكررة لتقريب وجهات النظر بين بعبدا وبيت الوسط سواء عبر موفديها او الوسطاء اللبنانيين من قوى سياسية وروحية.

ولفتت المصادر الى ان الفرنسيين يراقبون الوضع عن كثب،وفي حال تقدم مساعي الحل التي يقودها البطريرك الماروني بطرس الراعي ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم والثنائي الشيعي، يصبح بامكانهم الدخول مجددا على خط تفعيل مبادرتهم وتقديم الالتزامات الاقتصادية والسياسية التي وعد بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال لقائه القوى اللبنانية في قصر الصنوبر في ايلول ٢٠٢٠.

طبعا، هذا لا يخفف بحسب المصادر شعور الرئيس ماكرون بخيبة امل كبيرة بعد تنصّل عون وباسيل والحريري من وعودهم بتسهيل تأليف الحكومة فور تكليف الاخير، وهنا تكشف المصادر ان ماكرون طلب بشكل مباشر خلال الايام الماضية من احد اركان الثنائي الشيعي التدخل لتقريب وجهات النظر بين بعبدا وبيت الوسط، وحسب المعلومات المتوافرة فان هذه الشخصية بدأت بالفعل بالتواصل مع عون والحريري بعيدا عن الاضواء، ولكن المفارقة انها ابلغت ماكرون ان هذه المساعي قد لا تنجح وهناك تعنت واضح من الطرفين بعدم التقدم خطوة الى الامام لتسهيل التأليف.

وفي الموازاة، كشفت المصادر ايضا ان الفرنسيين تواصلوا مجددا مع طهران التي اكدت ان هذا الملف يجب التباحث به مع المعنيين في لبنان وانها لا تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي، ولا بد هنا من الاشارة الى ان دول عدة بينها فرنسا ابلغوا اكثر من جهة دولية وعربية بأن حزب الله لا علاقة مباشرة له بتعطيل التأليف، وانه قد ادى قسطه للعلى في الملف الحكومي وسهله الى اقصى الحدود، وقام بمبادرات عديدة بعيدا عن الاضواء لمحاولة تقريب وجهات النظر بين عون والحريري ولكن دون جدوى، والنصيحة الفرنسية كانت للذين يحمّلون الحزب مسؤولية عرقلة التأليف ويرمون اسباب الازمة على ما يحكى عن ممانعة اميركية لمشاركته في الحكومة بأن «اتفقوا على التفاصيل الحكومية العالقة بينكم واتركوا موضوع حزب الله جانبا، نحن نحله».

ولكن الجديد في كلام المصادر الدبلوماسية تاكيدها ان لبنان مقبل على ورشة لتغيير النظام عاجلا او اجلا، وان تشكيل الحكومة بات مجرد تفصيل، كاشفة للمرة الاولى ونقلا عن الفرنسيين ان الحريري قد لا يشكل حكومة وهناك جهات مسيحية «معارضة» ودول عربية تواصلوا مع الاليزيه لسحب التكليف من الحريري وتكليف شخصية سنية اخرى مقبولة وغير استفزازية.

واضافت المصادر بأن فرنسا ما زالت تمانع سحب التكليف من الحريري على اعتبار انه لا داعي حاليا لخضة سياسية جديدة في البلد من هذا النوع، فالتحضيرات جارية لعقد مؤتمر لتغيير النظام اللبناني برعاية فرنسية مباشرة خلال اشهر، سواء اتفق اللبنانيون على تاليف الحكومة او استمروا بتضييع الوقت والمماطلة.