بَدا تحرّك الرئيس ​حسان دياب​ في اتجاه ​قصر بعبدا​ و​عين التينة​ و​بيت الوسط​ مفاجِئاً، بعدما أوحى رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ وكأنه متحمّس أكثر من ​رئيس الجمهورية​ والرئيس المكلف لتشكيل حكومة جديدة، تُفسح في المجال أمامه لخروج «آمن» وكامل من السرايا.

ليس مستغرباً أن يحاول البطريرك الماروني أو الرئيس ​نبيه بري​ أو المدير العام للأمن العام التوسّط بين ​الرئيس ميشال عون​ والرئيس ​سعد الحريري​ لتسهيل تأليف ​الحكومة​، أمّا أن يتصدّى رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب لدور الوساطة فهذا أمر غير مألوف تِبعاً لتقاليد ​السياسة​ اللبنانية، خصوصاً انّ كُثراً يفترضون انّ دياب غير منزعج في قرارة نفسه من خلاف الرئيسين والتأخير المتمادي في التشكيل، لأنّ من شأن هذا الواقع ان يسمح له بإطالة مدة إقامته في ربوع ​السلطة​، ولو تحت سقف «تصريف الأعمال».

إنما يبدو أنّ خطورة التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية والمعيشية فرضت على دياب حسابات من نوع آخر، إذ انّ معيار البراعة في هذه المرحلة لم يعد يرتبط بالبقاء أطول فترة ممكنة في السلطة، وإنما بالخروج منها في أسرع وقت، خصوصاً اذا كان المُستظِلّ بها هو في واقع الأمر مكشوف الظهر ومقيّد الصلاحيات في مواجهة أزمة منفلشة ومتفلّتة.

ولكن، هل يكفي المسعى الذي تَطوّع له دياب لردم الهوة التي تفصل بعبدا عن بيت الوسط؟ وهل باستطاعته أن يجمع ما فَرّقته واقعة الفيديو وأزمة الثقة؟ والى أيّ حد يمكن أن يلتقط عون والحريري الفرصة للنزول من الشجرة بأقل مقدار من الاحراج؟ والى ايّ درجة سيساهم تَسلّم الرئيس الأميركي المنتخب ​جو بايدن​ رسمياً مهامه اليوم في إيجاد بيئة خارجية مناسبة لمواكبة محاولات الحلحلة الداخلية؟

والى أن تتّضِح الأجوبة، يشعر دياب بوطأة ثقيلة للملفات التي يحملها، من دون ان يكون قادراً على التعامل معها إلّا بالحد الأدنى الذي يسمح به ​الدستور​ لرئيس الحكومة المستقيلة، وهو يَتخوّف من ان يكون الآتي أعظم، بحيث يقع الهيكل على رأسه ورؤوس الجميع اذا استمرت حفلة ​الانتحار​ الجماعي التي تهدّد ب​القضاء​ على آخر أمل بالانقاذ.

ويؤكد المحيطون بدياب انّ «تصريف الأعمال بات عبئاً كبيراً عليه، وليس تَرفاً في الوقت الضائع»، لافتين الى انّ أكثر ما يضايقه هو أنه مكبّل اليدين دستوريّاً، «بينما هناك قضايا مُلحّة تحتاج إلى قرارات حاسمة لا يمكن إلّا لحكومة أصيلة ان تتخذها. وبالتالي، فإنّ مخزون الصبر لديه انخفض الى أدنى مستوياته، ولم يعد بإمكانه التعايش مع كرة النار الحارقة التي رُمِيت في أحضانه، ما دَفعَه في هذا التوقيت الى إطلاق مبادرته، على قاعدة استعجال الاتفاق بين عون والحريري أمس قبل اليوم واليوم قبل الغد».

وخلافاً لِما كان متوقعاً، لم يستحوذ الفيديو المسرّب من قصر بعبدا على حَيّز واسع من البحث خلال اللقاء بين دياب والحريري، بل انّ انطباع رئيس حكومة تصريف الأعمال هو أنّ هذا الفيديو أصبح وراء الرئيس المكلّف، «لأنّ خطورة المأزق الوطني باتت اكبر من اي اعتبارات شخصية». وبالتالي، فإنّ زيارة دياب إلى بيت الوسط لم تندرج في سياق التضامن مع رئيس «المستقبل»، وإن يَكُن هذا التضامن تحصيلاً حاصلاً في نهاية المطاف.

ويشير المواكبون لتحرك دياب إلى انّ العُقَد التي تؤخّر ولادة الحكومة اصبحت واضحة ومحددة، وهناك اقتراحات مطروحة للمعالجة، والمطلوب هو ​البناء​ عليها وتطويرها. وما يأمله دياب هو ان تتمكن مبادرته من المساهمة في إعادة فتح الأبواب الموصدة وتجديد الحوار المباشر بين عون والحريري، علماً أنه طرح خلال لقائه بهما ضرورة جَمعهما مجدداً، فيما يعتبر القريبون منه أنّ تحرّكه أفضى، على الاقل، إلى كَسر طبقة الجليد الكثيف المتراكم على خط بعبدا - بيت الوسط، وفتح المجال أمام تحضير الأرضية لاستئناف التواصل بينهما.

وما استنتجه دياب بعد جولته على «مراكز القوى»، هو تَوافُر رغبة حقيقية لدى الجميع في ​تشكيل الحكومة​، الّا انّ المشكلة هي ضعف القدرة حتى الآن. ولذلك، فإنّ التحدي يتمثّل في جَمع الرغبة والقدرة معاً، وصولاً الى امتلاك أحد طرفي الخلاف شجاعة التنازل أولاً، فيبادر في اتجاه الآخر بعيداً من الطابع الشخصي لحسابات الربح والخسارة.

واللافت انّ دياب استعانَ في مَسعاه بـ»فائض» التجربة عند الرئيس نبيه بري، الخبير في تدوير الزوايا وإنتاج أرانب التسويات.

واذا كان هناك من يفترض بأنّ علاقة دياب ببري سيئة، لا سيما بعد سقوط حكومته بقوّة دَفع من رئيس ​المجلس النيابي​، فإنّ العارفين يوضحون انّ الأمور بينهما هي على ما يرام، وانّ تواصلهما لم ينقطع طيلة الفترة السابقة، بل كانا ولا يزالان على تعاون وتنسيق في عدد من الملفات، مع الاشارة الى انّ مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال ​خضر طالب​ زار اخيراً، وبتكليف من دياب، عين التينة للتشاور حول بعض المسائل.