يواجه الرئيس الأميركي الجديد ​جو بايدن​ خيارين لا ثالث لهما في الملف ال​إيران​ي. إما العودة للإتفاق النووي الذي أبرم في عام 2015، أو العمل على صياغة اتفاق جديد، تجتاز صلاحياته الحدود النوويّة، ليشمل البرنامج الصاروخي الإيراني، ودورها في الإقليم.

لا يمكن النظر إلى أحد الخيارين المطروحين على أنّه أسهل من الآخر بالنسبة ل​أميركا​. فالأول، سيواجه معارضة شديدة من قبل ما يُعرف بـ"الصقور"، إضافة لحلفاء أميركا في المنطقة وخصوصاً ​إسرائيل​ و​المملكة العربية السعودية​، أما الثاني، سيواجه رفضاً إيرانياً حاسماً، وسيطيل من أمد ​الأزمة​ مع إيران.

رغم أن الإدارة التي اختارها بايدن لترافقه في السنوات الأربع المقبلة، كلها عملت سابقاً في الإتفاق النووي، ومقربة من التوجه الفكري الداعي للتحاور مع ​طهران​، إلا أنّ شيئاً لم يحسم بعد في الداخل الأميركي.

المهمّ في كل هذا الملف، هو الموقف الإيراني الذي سيحدّد أيضاً توجهات بايدن المستقبلية، فبالنسبة لطهران، فإنّ الخطوط ​العريضة​ للعودة إلى الإتفاق النووي، رسمها المرشد ​علي خامنئي​ في أكثر من تصريح له، وكلّها تصبّ في مصبّ واحد وهو أن إيران غير مستعجلة على عودة ​واشنطن​ للإتفاق النووي، وإذا كانت العقوبات سابقاً قد رُفعت بعد الإتفاق، إلا أنها يجب أن تُرفع قبله اليوم.

الخيار الثاني أمام ​الإدارة الأميركية​ يتمثّل بإعادة صياغة إتفاق جديد، وفي إيران هذا الخيار خارج الحسابات، خصوصاً أنه سيتطرق إلى مواضيع تمسّ، حسب رؤية طهران، ب​الأمن​ القومي، وتحديداً البرنامج الصاروخي الإيراني، فما الذي يمثّله هذا القطاع لإيران؟.

بالعودة إلى التاريخ، عند انتصار ​الثورة الإسلامية​ في إيران عام 1979، عاشت ​الدولة​ ​الجديدة​ حرباً دموية مع ​العراق​. يومها، كانت هذه الدولة الناشئة، لا تمتلك شيئاً لمواجهة الغزو العراقي سوى الجنود. واجهت طهران في تلك الحرب التكنولوجيا باللحم الحيّ، في ظل فقدانها للسلاح، ورفض دول ​العالم​ تزويدها بأيّ قطع حربيّة نظراً للعقوبات التي فرضت عليها من واشنطن بداية الثورة.

تحفر هذه الذكريات عميقاً في وجدان المسؤولين الإيرانيين. لم ينسَ خامنئي، الذي كان قائداً على جبهة تلك الحرب، كيف كان صدّام حسين يضرب بالطائرات والدبابات و​السفن​ الحربية، في مقابل عجز إيراني عن مواجهة التكنولوجيا، لذلك قالها خامنئي صراحة "ولّى الزمن الذي يتمكن فيه ​صدام حسين​ من ضربنا دون أن يجد رداً".

من هنا، يأتي الرفض الإيراني لأيّ بحث في ​الصواريخ​ البالستيّة، وهي القوة الأكبر في الجهاز الدفاعي الإيراني، خصوصاً أنّ طهران، التي تمتلك أضعف أسطول جوّي مقارنة مع الدول الأخرى في المنطقة بسبب العقوبات، لم تجد أمامها سوى الصواريخ البالستية لتعويض هذا الضعف. ونجحت في تطوير هذا القطاع، لتهدّد به وتضع ​موازنة​ ردع في المنطقة.

فعاليّة هذه الصواريخ ظهرت في الأيام الماضية في ​مناورات​ "الرسول الأعظم"، حين وصلت إلى بعد 1200 كيلومتر في ​المحيط الهندي​، على بعد 120 كيلومتر من قاعدة أميركية متواجدة هناك. هذه الرسالة أعلنها الإيراني صراحة، بأن المناورات صورة لما يمكن أن تكون عليه المواجهة في أيّ معركة مقبلة، والإعتماد على الصواريخ.

وبالتالي، فإنّ إدخال بند الصواريخ البالستية في أي مفاوضات مستقبلية، هو كمّن يريد قتلها قبل ولادتها. فطهران لن تقبل، على الأقل في الفترة الأولى القادمة، وفي ظل عدم الثقة بين أطراف النزاع، أن تسلّم رقبتها للأميركي، خصوصاً وأن التجربة الليبيّة لمعمّر القذافي، الذي وافق على شروط مماثلة في السابق، لا تخرج من ذهن الإيرانيين.

إن ما سبق يؤشّر إلى أنّ الخيار الأميركي سيلعب دوراً أساسياً بتحديد مصير "المفاوضات" المتوقّعة، في ظلّ وضوح الخيار الإيراني: إما رفع العقوبات ومن ثم العودة للاتفاق النووي، أو البقاء على الوضع الحالي، مع خروج طهران من كل القيود النوويّة والعسكريّة التي وضعها الإتفاق النووي السابق.