في الوقت الذي يعيش فيه ​لبنان​ تحت وطأة «تسونامي» كورونية» نتيجة الزحف المتواصل لهذا الفيروس الذي أجبر اللبنانيين على اتخاذ اجراءات وتغيرات في نمط عيشهم، لم يُقدموا عليها في عزّ الحروب الداخلية والاجتياحات الإسرائيلية من دون بروز أي أفق في إمكانية السيطرة عليه في وقت قريب، بقي ملف تأليف ال​حكومة​ على جموده القاتل في ظل غياب أي تحرك أو مسعى في اتجاه إزالة الجدران الاسمنتية المرفوعة بين ​رئيس الجمهورية​ وفريقه السياسي من جهة وبين الرئيس المكلف ​سعد الحريري​ من جهة ثانية، فبدلاً من أن ينشط الوسطاء على ضوء تهيئة المناخات الملائمة للوصول إلى توليفة حكومية تحظى برضى كل الأفرقاء، ينصبّ الجهد الآن على كيفية اجراء المصالحة بين ​الرئيس عون​ والحريري والذي بلغ ذروة التفجير في أعقاب الفيديو المسرَّب من ​قصر بعبدا​ حيث اتهم رئيس الجمهورية فيه الرئيس الحريري بالكذب، وقد أظهرت المعطيات إلى الآن وجود صعوبات قوية أمام الساعين لهذه المصالحة لا سيما البطريرك الماروني ​الكاردينال بشارة الراعي​، الذي حاول التواصل مع الرجلين ولم يستطع تليين أيٍّ من الموقفين نظراً لوصول الخلاف بينهما إلى حدّ فقدان الثقة بالكامل وازدياد التباعد بينهما بفعل الفيديو المسرّب.

وفي هذا السياق تشخّص مصادر سياسية عليمة الوضع الحكومي برجل مريض لم تعد تنفع معه الوصفات الدوائية وبات يحتاج إلى ​عملية جراحية​ تنقذ حياته، مشيرة الى ان عملية التأليف لا تزال على حالها منذ أن كُلِّف الرئيس سعد الحريري، حيث لا يرصد في الأجواء السياسية أي مؤشر عن لقاء قريب بين الرئيسين عون والحريري، وأن مسعى البطريرك الراعي في هذا المجال لم يكتب له النجاح حتى هذه اللحظة في ظل عدم وجود نوايا صافية من قبل الطرفين معاً.

وفي تقدير المصادر أن أمر التأليف تراجع إلى الوزراء مع تقدم المحاولات الجارية لترميم ما كسره الفيديو المسرّب بين الرئيسين، حيث أن الجهد ينصب الآن على كيفية إعادة ترتيب العلاقة بين عون والريري، ومن ثم يعود العمل على خط ​تأليف الحكومة​، من دون أن يلمس من عمل علی خط ترتيب هذه العلاقة أي امكانية راهناً للوصول إلى هذا الهدف، خصوصاً وأن مسار التعاطي بين قصر بعبدا وبيت الوسط» بات يوحي بأن التعايش بينهما ولو عن طريق المساكنة شبه مستحيل.

لبنان رجل مريض لم تعد تنفع معه الوصفات الدوائية وبات يحتاج إلى عملية جراحية تنقذه من الهلاك

في موازاة ذلك ترى أوساط سياسية أن في ​السياسة​ لا خصومة دائمة ولا تحالفاً دائماً، وكل شيء يبقى ممكناً، فالرئيسان عون والحريري لم يعلنا على الرغم من خطورة ما سُرِّب من كلام من قصر بعبدا عن ​اقفال​ الأبواب، ولو كان الامر وصل الى هذه المرحلة فربما كان لجأ الرئيس المكلف إلى الاعتذار، وما دامت الأمور لم تصل إلى هذه الحدود، فإمكانية إعادة ترميم ما انكسر يبقى ممكناً، خصوصاً وأن الطرفين لم يبديا أي انزعاج من تحرك الوسطاء باتجاه وصل ما انقطع بينهما، ولكن على ما يبدو أن ​العقبة​ تكمن في أن كل فريق ينتظر الفريق الآخر لأن يُبادر، أو يطرح أي أفكار من شأنها أن تحرك ​المياه​ التي ركدت بعد اللقاء الأخير وما تلاه من كلام مسرّب لرئيس الجمهورية بحق الرئيس المكلف.

وتؤكد الأوساط السياسية المطلعة على مسار التحركات الجارية لرأب الصدع بين عون والحريري، أن مبادرة البطريرك الماروني ما تزال قائمة،فتارة يرتفع زخمها وطوراً يخف وفق المناخات السياسية، وهو تمنى الأحد الفائت علی رئيس الجمهورية ال​اتصال​ بالرئيس الحريري للاتفاق علی أسس التأليف،غير أن هذا الطلب لم يلقَ التجاوب حتى هذه اللحظة من قبل رئيس الجمهورية، حيث يبدو أن كل فريق ينطلق من حسابات لديه، لأن اللعبة ليست لعبة أشخاص وهذا معروف لدى الجميع.

وإذ ترى هذه الأوساط أن كل الطرق المؤدية إلى التأليف «مسكّرة»، فانها أوضحت أن كل الوساطات التي جرت لم تؤدِ إلى أي خرق في جدار الأزمة، لا بل اننا عدنا خطوات إلى الوراء على الصعد السياسية والإقتصادية والصحية، وبتنا في مرحلة إذا فتحنا أي شباك نخاف أن تدخل علينا عاصفة قوية تطيح بما هو موجود الآن.

وتهزأ الأوساط نفسها من الذين يربطون عملية التأليف بتسلم الرئيس الأميركي جون ​بايدن​ الحكم في ​الولايات المتحدة​، وتسأل: هل أن الرئيس الأميركي الجديد يهتم لما هو حاصل اليوم في لبنان، وهل ​الإدارة الأميركية​ ​الجديدة​ ستقوم بالاتفاق على سبيل المثال بالرئيس عون أو الرئيس الحريري أو ب​حزب الله​ أو غيره للعمل على تأليف الحكومة؟ كل هذا لن يحصل، لأن تغيير الرئيس في ​أميركا​ لا يعني أن السياسة الأميركية ستتغير في ​العالم​، وإن طرأ عليها بعض التعديلات التي عادة لا تكون جوهرية ولا تؤثر على المصالح الأميركية في المنطقة ولا على حلفائها، فالمطلوب اجراء تغيير في الذهنية السياسية في لبنان وليس انتظار حصول التغيير في أميركا.

وعندما تسأل الأوساط عن مصير المبادرة الفرنسية تسارع إلى القول بأن الحياة ما تزال تدبّ في هذه المبادرة، حيث كان آخر ما قام به صاحب هذه المبادرة الرئيس ​ايمانويل ماكرون​ اجراء اتصال بولي العهد السعودي محمّد بن سلمان الخميس الفائت حيث أثير في هذا الاتصال الوضع اللبناني من جميع جوانبه لا سيما موضوع تأليف الحكومة، وقد طلب الرئيس الفرنسي من بن سلمان أن تعود ​المملكة العربية السعودية​ للعب دور على الساحة اللبنانية، ويبدو أن الرد السعودي لم يكن مشجعاً على الإطلاق.

وعن إمكانية دخول وسطاء على خط المصالحة بين عون والحريري ومن ثم العمل على تأليف الحكومة تعتبر الأوساط السياسية أن ما أخفق الرئيس ماكرون في ​تحقيق​ه، وما عجز البطريرك الماروني في إنجازه، لن تستطيع أي شخصية لبنانية على تحقيقه، وهو ما يدعونا إلى انتظار معجزة ما، أو تحرك خارجي جديد تجاه لبنان، أو مبادرة الرئيس عون باتجاه الحريري أو العكس لكسر الحلقة المفرغة بينهما والذهاب في اتجاه العمل على تغيير قواعد اللعبة الموجودة حالياً والتفاهم علی تأليف حكومة تنقذ لبنان مما يتخبط فيه. وتخلص الأوساط إلى القول أن أي وسيط سيعمل على خط الأزمة من الممكن أن ينجح في تحقيق المصالحة بين الرئيس عون والحريري، لكنه سيجد نفسه عاجزاً في تحقيق أي تفاهم بينهما على ​الحكومة الجديدة​، لأنه على ما يبدو الخلاف عميق ومتجذر وليس بالسهولة حله في ما خص التأليف.