يومًا بعد يوم، يتأكّد للقاصي والداني أنّ العلاقة "الشائكة" والملتبسة بين ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ ورئيس ​الحكومة​ المكلَّف ​سعد الحريري​ ليست على ما يُرام، وقد لا تكون في المدى المنظور، نظراً لحجم "التوتر" الذي لا يبدو بسيطاً بين الجانبيْن.

فعلى رغم كلّ "الوساطات" والجهود الماراثونيّة المبذولة لتقريب وجهات النظر، منذ ما قبل ال​فيديو​ المسرَّب الشهير، لا يزال "إقناع" الرجليْن بعقد لقاءٍ جديدٍ لاستكمال البحث بالتشكيلة الحكوميّة من حيث انتهى، أمراً غير يسير، بل أقرب إلى المهمّة المستحيلة.

من ناحية، ينتظر رئيس الجمهورية أن "يبادِر" الحريري، ويتّصل به لترتيب موعدٍ للقاء، بعد أن يأخذ بالاعتبار ملاحظات ما بعد الاجتماع الأخير، وفي المقابل، يصرّ رئيس الحكومة المكلّف على أنّ الكرة في ملعب عون، وينتظر اتصالاً أقرب لـ"الاعتذار" من الأخير.

وبين هذا وذاك، ثمّة من يسأل، ماذا لو تشكّلت الحكومة عمليّاً اليوم؟ كيف يمكن أن تحكم أصلاً في ظلّ هذه الطريقة في التعامل؟ هل ستحتاج إلى "وساطةٍ" عابرة للحدود والقارات كلما أرادت أن تجتمع أو تأخذ قراراً؟ وإلى متى ستبقى أسيرة مزاجيّةٍ من هنا، وشخصنة من هناك؟!.

"توتر" غير مفاجئ

قد لا يكون "التوتّر" على خطّ العلاقة بين عون وبري مفاجئاً لكثيرين، وإن تجاوز الضوابط والحدود المرسومة، أو التي كان يُعتقَد أنّها مفروضة عليها، بحكم الأمر الواقع، الذي يجعل "​المساكنة​" بين الرجلين خيارًا لا مفرّ منه، مهما اشتدّت "مرارتُه".

ويقول البعض إنّ رئيس الجمهورية كان مُدركاً لهذا البُعد في العلاقة منذ اليوم الأول، وهو لذلك ناشد النواب، في خطابه الشهير عشيّة ​الاستشارات الملزمة​ في ​قصر بعبدا​، أن يفكّروا مليّاً بخيارهم، وهو ما انتقده كثيرون عليه، وعابوا عليه محاولته "مصادرة" صلاحيات ممثلي الأمّة باختيار من يريدون، بمُعزَلٍ عن موقف الرئيس من هذا الأخير.

ولعلّ كلّ التطورات التي لحقت بالتكليف أثبتت صوابيّة هذا الرأي، ولو أنّ الأيام الأولى ما بعد التكليف أظهرت أجواء إيجابية نقيضة، خصوصاً في ضوء الاجتماعات "الإيجابية" التي كان ​القصر الجمهوري​ يحتضنها بين الرجلين، لكن سرعان ما تبيّن "زيفها" مع مرور الوقت، بدليل عجزهما عن ​تحقيق​ الحدّ الأدنى من التوافق، واعتكاف الحريري شبه المُعلَن بالنتيجة، وامتناعه عن الحضور إلى بعبدا.

وقد يكون فيديو الرئيس الذي اتهم فيه الحريري صراحةً بـ"الكذب"، بمُعزَلٍ عن الرأي منه، النموذج الأسطع والأصدق عن حقيقة العلاقة بين الجانبين، وإن كان كثيرون، وفي مقدّمهم مقرّبون من رئيس الحكومة المكلّف، يتّهمون رئيس "​التيار الوطني الحر​" الوزير السابق ​جبران باسيل​، بـ"تحريض" الرئيس ضدّ الحريري، انطلاقاً من عوامل شخصيّة يقولون إنّه غير جاهزٍ على ما يبدو لتجاوزها، رغم كلّ الظروف التي تتطلب مقارباتٍ مختلفة.

وإلى ما سبق، يؤكد المتابعون أنّ عنصر الغرابة والدهشة والمفاجأة "ساقِطٌ" عن مآل العلاقة بين عون والحريري، بالعودة إلى المحطّات التي شهدتها على امتداد العام المنصرم، ومنذ الإعلان رسميّاً عن سقوط "التسوية الرئاسيّة"، في أعقاب ​استقالة الحريري​ الأحاديّة، على وقع ​الانتفاضة​ الشعبية التي شهدها ​لبنان​ في أواخر العام 2019.

أيّ أمل يرتجى؟

ولكن، إزاء ذلك، هل يمكن أن تبقى العلاقة على ما هي عليه من فتور وجمود وما هو أبعد من ذلك؟ ماذا لو نجحت الوساطات في تشكيل حكومة في نهاية المطاف، طالما أنّ الحريري يرفض "الخضوع" لرغبة "العهد"، كما يقول، والاعتذار عن استكمال مهمّته؟ هل سيكون مجرّد اجتماع الحكومة بحاجة إلى تدخّل الوسطاء؟ وأيّ أملٍ يُرتجى من هكذا حكومة وفي ظلّ هكذا أجواء؟

رغم أنّ الاتفاق على رأيٍ واحدٍ بينهم بات أمراً تعجيزيّاً، إلا أنّ المحسوبين على عون والحريري يتوافقون على أنّ مرحلة ما بعد التشكيل لا تشبه ما قبله، ما يعني أنّ ​تأليف الحكومة​، إن حصل، سيكون نقطةً مفصليّة على خطّ العلاقة، لن تنهي الخلاف بطبيعة الحال، ولكنّها ستضع بالحدّ الأدنى، خطوطاً عريضة يصبح "التعايش" بموجبها ممكناً، على طريقة "التطبيع" مع الأمر الواقع.

وإذا كان هؤلاء يعتقدون أنّ تأليف الحكومة سيغيّر الأولويات، وسينقل ​الأزمة​ إلى مكانٍ آخر، ثمّة من يخشى مُسبَقاً على تداعياتٍ كارثيّة لمثل هذا الجوّ السلبيّ على الحكومة، علماً أنّ حكومة حسّان دياب نفسها، رغم وصفها بحكومة اللون الواحد، بل حكومة العهد، لم تكن بمنأى عنها، حتى أنّ بعض أعضائها من الوزراء تحوّلوا بنظر زملائهم، إلى "ملائكة سعد الحريري"، أو ممثّليه داخل الحكومة.

وانطلاقاً ممّا سبق، يخشى البعض أن "تشلّ" الخلافات عمل الحكومة، إن شُكّلت، سلفاً، ليس فقط لأنّ التضامن الوزاريّ سيكون منعدماً، ولكن قبل ذلك، لأنّ "المزايدات" ستكون مشرَّعة على مصراعيْها، علماً أنّ المرحلة تتطلّب حكومة "إنقاذيّة" بكلّ ما للكلمة من معنى، كما يردّد المسؤولون والمعنيّون، وعنوان "الإنقاذ" خطة اقتصاديّة وإصلاحيّة، يبدو الخلاف على مقاربتها من الأصل، على أشدّه، بين عون والحريري.

"المكتوب يُقرَأ من عنوانه"

يحاول البعض التخفيف من وقع "التوتر" بين عون والحريري على الحكومة المُنتظَرة، بالقول إنّها ليست المرّة الأولى التي تواجه فيها عمليّة التأليف مطبّاتٍ ومشاكل، كالتي تعترضها اليوم، وسبق أن تطلّبت حكومات أشهرًا طويلة قاربت العام الكامل قبل أن تولد، من دون أن ينعكس ذلك "شللاً مُطلَقًا" عليها.

قد لا تكون الإجابة "المثاليّة" على مثل هذا الطرح أنّ هذه الحكومات أثبتت "عقمها" بدليل الواقع الذي وصلت إليه البلاد اليوم، والذي يبقى "ثمرة" الحكومات المتعاقبة، التي لم تجلب سوى الخراب والانهيار والفشل، والتي عبّدت الطريق عمليّاً نحو "جهنّم" التي بات المسؤولون "يبشّرون" الشعب بقرب الوصول إليها.

فقبل كلّ ذلك، يبقى الأكيد أنّ "المكتوب يُقرَأ من عنوانه"، والعنوان اليوم لا يبشّر سوى بالمزيد من الفشل، فشل يبدأ من طريقة تأليف الحكومة، على طريقة "​المحاصصة​" التقليدية، وبناءً على تقاسم "كعكة الجبنة"، ويمتدّ إلى الغايات المرجوّة من الحكومة، والتي لا توحي الخلافات على خطّها، أنها تتجاوز منطق "​السلطة​ والنفوذ"، ولا شيء غير ذلك...