ليست المرة الاولى التي تنطلق فيها منافسات "الكباش" بين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ومعارضيه في السياسة، ولكنها هذه المرة اكتسبت بعداً اكثر حدّة وتبدو اكثر جدية من كل المحاولات السابقة، خصوصاً في ظل الاوضاع التي يعيشها لبنان حالياً. يمكن القول ان عون بات يجد نفسه في هذا المجال مطوّقاً من قبل محور يعتبره مشابهاً لـ"محور الشر" قوامه رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ورئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ ورئيس الحزب الاشتراكي ​وليد جنبلاط​، فيما ينضمّ اليهم بسبب تشابه المصالح عدد من رؤساء الاحزاب والتيارات السياسية المسيحية والاسلامية. وفي اليومين الاخيرين، تجلت معركة تطويق عون بشكل ملموس، اذ ان بري اطلق محركاته فيما اعتاد هو نفسه تذليل العقبات في السابق، الا انه اختار هذه المرة "تفويض" رئيس الحكومة المستقيل ​حسان دياب​ القيام بهذه المهمة علناً، مع علمه المسبق ان حظوظ نجاح دياب توازي حظوظ تغيير نتائج الانتخابات الرئاسيّة في ​الولايات المتحدة الاميركية​. على خط آخر، كان الحريري المدعوم من برّي، يعيد شروطه نفسها دون أيّ تغيير، ويعتبر انه لم يعد بمقدوره القيام بمبادرات وبات على رئيس الجمهورية ان يبادر بنفسه لتحسين الامور. من جهته، لا يمكن لجنبلاط ان يبتعد عن برّي اياً كان توجّه الاخير وبالتالي "كسر الجرّة" نهائياً مع عون ومن خلفه النائب ​جبران باسيل​ والتيار الوطني الحر، فيما انتقاداته العلنية ل​ايران​ و​حزب الله​ لا يمكن الاعتداد بها كونه يتراجع عنها عندما تدعو الحاجة. اما المؤيدون الآخرون، فلا حاجة لدخولهم الساحة بشكل جدّي، لان مواقفهم معروفة ولن يقدّموا او يؤخّروا شيئاً حاليا، ويتم التواصل معهم لكشف ما يضمرونه عندما يلزم الامر.

في المقابل، لم يعد هناك من يدعم عون سوى التيار الوطني الحر، فيما بات حزب الله ابعد خطوة مما كان عليه مع رئيس الجمهورية، مع التشديد على ان الحزب يعلم تماماً ان تطويق عون شيء واسقاطه شيء آخر. معركة التطويق انطلقت بعد ان ثبت بما لا يقبل الشك أن إسقاط رئيس الجمهورية يكاد يكون اقرب الى الخيال والاحلام، فدونه عقبات دولية وداخلية لا تعد ولا تحصى، وهو لا يمكن ان يتخطى المرحلة الاولى من الموافقات، ولو ان هذه هي الرغبة الفعلية للثلاثي ومن يؤيّده ويدعمه. ومع استحالة اسقاط رئيس الجمهورية، كان لا بد من رفع نسبة حظوظ تطويقه، فتمّ رفع راية قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يحظى حالياً بدعم وتأييد خارجي يوازي الدعم الداخلي المحسوم كونه تابع للمؤسسة العسكرية، ولا حاجة للبحث في مدى محبة اللبنانين للجيش. من هنا، يمكن فهم التصريحات المتسلسلة لنواب ووزراء حاليين وسابقين ينتمون الى قيادة ثلاثي معركة التطويق، يحملون فيها على الرئيس عونوباسيل ويصوّبون تحديداً بدفاعهم عن العماد عون في وجه ما يطلقون عليه "حرب رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر على قائد الجيش". من الطبيعي ان يشكل قائد الجيش رافعة محلية ودولية لكل من يحمل راية الدفاع عنه، مهما كانت الاسباب واياً تكن الظروف، فكيف اذا كان لبنان يعيش ظروفاً غير مسبوقة وحالة لم يشهدها من قبل، فيما لا تزال كل المبادرات والتحركات الدبلوماسية والسياسية في الثلاجة الاميركية؟.

وفقاًلما يحصل، فإن من المتوقع ازدياد حدّة معركة التطويق دون ان تؤدي حتماً الى الاسقاط، وباتت اللعبة اليوم معرفة قدرة عون على الصمود امام شراسة المعركة التي تستهدف نفوذه، علماً انّه تم تجريده من عدد كبير من الاسلحة التي يعتمد عليها في معاركه، ولم يعد بالامكان الاتّكال عليها. واذا كانت حظوظ اسقاط رئيس الجمهورية معدومة، فيجب الاعتراف بأنّ حظوظ تطويقه آخذة في الارتفاع، في انتظار تطوّرات كبيرة قد تحصل وتحمل معها مفاجآت قد تسرّع او تخفف من حدّة هذه المعركة.