على ضوء تشعّب الأزمة التي تمر بها البلاد، منذ تاريخ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، عاد الحديث، في الآونة الأخيرة، عن مسعى لتشكيل جبهة معارضة بوجه ما يُسمى بالأكثرية النيابية الحالية، من دون أن يُكتب لهذه الجبهة أن تبصر النور، نظراً إلى الخلافات التي تعصف بين من يفترض أن يكونوا من أركانها.

على هذا الصعيد، قد يكون حزب "القوات اللبنانية" من أبرز المتحمسين لهذا الخيار، حيث أنّه يطرح، منذ أشهر، فكرة تشكيل جبهة معارضة تسعى إلى فرض إنتخابات نيابية مبكرة تعيد انتاج السلطة وتغيّر الأكثرية الموجودة حالياً. وقد قدّم "القوات" هذا الطرح داعياً القوى المعارضة للالتفاف حوله وتكوين جبهة موحدة.

حتى الساعة، لا يزال الحزب يعتبر أن القوى المعارضة من المفترض أن تتألف من: "​الحزب التقدمي الإشتراكي​"، تيار "المستقبل"، حزب "الكتائب"، حزب "الوطنيين الأحرار، بالإضافة إلى شخصيات مستقلة وقوى تندرج تحت مسمى المجتمع المدني، في حين أن قوى الأكثرية الحاكمة تتكون من: "​التيار الوطني الحر​"، "​حزب الله​"، "​حركة أمل​"، تيار "المردة"، بالإضافة إلى قوى وشخصيّات أخرى من تحالف قوى الثامن من آذار. لكن هل فعلاً يصح هذا التقسيم لأكثرية حاكمة وأقلية معارضة، وهل فعلاً طرح الإنتخابات المبكرة عملي الآن؟.

في قراءة مصادر متابعة لهذا الطرح، قد يكون من المستحيل إجراء أيّ إنتخابات نيابية قبل العام المقبل، في ظلّ أزمة فيروس كورونا المستجدّ التي تفرض على السلطات المعنيّة الذهاب من إقفال إلى آخر، وبالتالي لا يمكن أن تدعو هذه السلطات نفسها إلى إنتخابات من المفترض أن يتجمّع خلالها القسم الأكبر من اللبنانيين، ما يقرب البلاد من اجراء الانتخابات في الموعد الدستوري المفترض، أي في ربيع العام 2022.

بالتزامن، ترى هذه المصادر أن كلاًّ من تيار "المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" لم يبادرا بأيّ خطوة، على الأقلّ حتى الآن، توحي بأنهما ينتميان إلى قوى المعارضة، في حين أنّ التجارب الماضية أثبتت، منذ العام 2009 حتى اليوم، أنهما يتركان حليفهما "القوات" في الأوقات الصعبة وحيداً ويذهبان إلى تسويات سياسية مع الفريق الآخر. وحالياً ينصب تركيز "​تيار المستقبل​" على تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري، بغض النظر عن الخلافات القائمة مع "التيار الوطني الحر"، أما "الأشتراكي"، فهو يتواصل مع رؤساء الحكومات السابقين سعياً لتكوين جبهة معارضة لإسقاط رئيس الجمهورية ميشال عون، الأمر الذي لا يراه "القوات" أولويّة لأسباب عديدة.

من وجهة نظر المصادر نفسها، لن يكون "الإشتراكي" بعيداً عن الحكومة العتيدة، في حال نجاح الحريري في تشكيلها، والفريقان لا يكترثان إلى مطلب الإنتخابات النيابيّة المبكرة، مع العلم أنّ الحزب في الأصل يرفض إجراءها على أساس القانون الحالي. وبعد الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، في الرابع من آب الماضي، انقلب الجانبان على محاولة "القوات" قلب الطاولة، رغم الوعود التي قطعاها بالاستقالة من المجلس لضرب ميثاقيته، بعد وعد رئيس المجلس النيابي نبيه بري بإسقاط حكومة حسان دياب.

على صعيد متّصل، تذهب المصادر المتابعة بعيداً في السؤال عمّا إذا كان يصح، من الناحية النظريّة، إعتقاد "القوات" أن "الإشتراكي" و"المستقبل" يعارضان فعلياً الأكثرية الحاكمة وليسا جزءاً لا يتجزأ منها بشكل مباشر أو حتى غير مباشر، وتذكر بأنهما انتخبا سابقاً بري لرئاسة المجلس النيابي، وليسا بوارد الذهاب إلى مواجهة مع "حزب الله"، بل يفضلان الإتفاق معه على تشكيل حكومة جامعة، كما أنّ رئيس "الإشتراكي" لم يتردّد في الماضي بالإعلان بأن بري هو حليفه، من دون تجاهل أنهما كانا جزءاً أساسيًّا من المنظومة الحاكمة منذ العام 1992.

ما تقدّم، يعني أنّه لا ينبغي تجاهل واقع العلاقة بين "القوات" و"الكتائب"، التي كانت قد تفجّرت في الأيام الماضية بعد مواقف رئيس "الكتائب النائب السابق سامي الجميل خلال حديث صحافي، في حين أنّ العلاقة التي تجمع "القوات" مع أبرز المجموعات الفاعلة في الحراك المدني ليست على أحسن حال، خصوصاً أنّ الحزب لم يذهب إلى التماهي مع دعوات تلك المجموعات إلى الإستقالة من المجلس النيابي، على سبيل المثال، على عكس الخطوة التي أقدم عليها "الكتائب".

في المحصّلة، تعتبر هذه المصادر أنّ رهان "القوات" على مواقف القوى التقليدية، من حلفائه السابقين، لم يصبّ في صالحه على الإطلاق، نظراً إلى أنّه أبعده عن مجموعات الحراك بشكل أساسي، فأصبح بلا حليف أو صديق ولا يقدّم خطاباً جذّاباً أو خطّة واقعيّة.