في العام 1993، أَصدر رئيس الوزراء الإِسرائيلي السّابق ​شيمون بيريز​ كتابًا، حمل عنوان "الشّرق الأَوسط الجديد" وقد ركّز فيه على ​المياه​، مُقترحًا أَن تتشارك كُلّ دُول المنطقة المياه العذبة، وتُوزّع كُلّها على الجميع بالتّساوي، وحتمًا على إِسرائيل أَيضًا. كما وتوقّع في كتابه اندلاع حرب المياه في منطقة الشّرق الأَوسط، وقد تكون ملامحها قد باتت اليوم بالظُّهور... وقد أَتمّ بيريز كتابه هذا، بعد التّوقيع الفلسطينيّ –الإِسرائيليّ على اتّفاق غزّة- أَريحا في أُوسلو، وتزامُنًا مع انطلاق الكثير من الدّعاوى في شأن "نهاية الصّراع العربيّ–الإِسرائيليّ، وقُرب حلول "السّلام النّهائيّ" وما سيجلبه ذاك السّلام المزعوم للمنطقة، مِن استقرارٍ وازدهارٍ...

إِذًا في خضمّ كُلّ هذه التّوقُّعات الإِيجابيّة، كان بيريز يدقّ "ناقوس الحرب" على المياه في المنطقة. ويعتبر بيريز أَن ثمّة عوامل تُؤَدّي إِلى نقص المياه في الشّرق الأَوسط وهي: الظّواهر الطّبيعيّة، وزيادة عدد السُّكّان، والاستغلال الخاطئ. ويقول أَيضًا إِنّ الانتقال مِن "​اقتصاد​ِ صراعٍ إِلى اقتصاد سلامٍ" يعني حصر المصادر لتطوير بُنيةٍ تحتيّةٍ، ويتمثّل ذلك في بناء طرقٍ وسكك حديدٍ وتحديث وسائل الاتّصالات...

واليوم، باتت تظهر ملامح الحرب على المياه في شكلٍ أَكبر، وفي مناطقَ مُختلفةٍ، فقد شهدت المنطقة العربيّة تحديدًا، نزاعاتٍ شديدةً على المياه.

صراعٌ مُزمنٌ

وفي الواقع، ليس الصّراع على المياه حدثًا جديدًا في منطقتنا، فأَحد عوامل اندلاع حرب الأَيّام الستّة في العام 1967، كانت مُحاولات إِسرائيل تحويل نهر الأُردن إِلى خطّ أَنابيبٍ يحمل المياه مِن "بُحيرة طبريّة" إِلى "​صحراء​ النّقب". كما وتحصل إِسرائيل على نحو ثُلثي مياه نهر الأُردن، بينما تحصل الأُردن على خُمسِها، و​سوريا​ على 15 في المئة فقط منها، على رُغم أَنّ مياه النّهر تنبع مِن سوريا. والأُردن الآن، هي إِحدى أَكثر البُلدان جفافًا في ​العالم​ كُلّه، وخلال السّنوات المئة المُقبلة يُمكن أَن تنخفض كميّات الأَمطار بمقدارٍ قد يصل إِلى الثُّلث، في حين يتضاعف الجفاف ثلاث مرّاتٍ، وقد يُثير ذلك صراعًا جديدًا!.

وهذا ما كان أَكّده أَيضًا "حلف النّاتو" حين أَصدر بيانًا يقول إِنّ الاحتباس الحراريّ في العالم، قد يتسبّب في اضطراباتٍ في منطقة الشّرق الأَوسط وشمال أَفريقيا، بخاصّةٍ وأَنّ الأَمر لا يتعلّق فقط بجفاف الأَنهار، بل إِنّ بعض الدُّول ك​المغرب​ مثلًا، لا أَنهار فيها ولا حتّى مياه جوفيّة... لذا فهي تعتمد على مياه الأَمطار. وحين تضرب المغرب موجة جفافٍ قويّةٌ، يترنّح اقتصاد البلد برُمّته نتيجةً لذلك... بيد أَنّ المُشكلة الأَكبر هي أَنّ مياه الوطن العربيّ أَساسًا شحيحة.

وبحسب "اللجنة الدّوليّة للتّغيُّرات المُناخيّة"، فإِنّ الوطن العربيّ هو المنطقة الأَكثر نُدرةً في المياه على مُستوى العالم كُلّه، وتصل حصّة الفرد الواحد مِن الماء العذب في الوطن العربيّ، في المُتوسط، إِلى أَقلّ من 1000 متر مُربّع سنويًّا، مع توقُّعاتٍ بانخفاض قدره 40 في المئة خلال العقدَيْن المُقبلَين في حدٍّ أَقصى، مُقارنةً بمُتوسّطٍ عالميٍّ يتخطّى حاجز الـ6000 متر مُربّع.

وكُلّما ازداد الاحتباس الحراريّ، تزداد الحاجة إِلى الماء، لأَنّ الطّلب عليها للشّرب والرّي والمزارع الحيوانيّة وبقيّة الصّناعات... يرتفع مع ارتفاع الحرارة. وفي المُقابل فإِنّ المملكة العربيّة السّعوديّة مثلًا، كانت استنفدت أَكثر مِن ثُلثَي مخزونها مِن المياه الجوفيّة في حُلول الثّمانينيّات من القرن الفائت. وأَمّا في الإِمارات العربيّة المُتّحدة فإِنّ منسوب المياه الجوفيّة ينخفض بمقدار مترٍ واحدٍ في السّنة. وتاليًا، فإِنّ كُلّ دُول ​الخليج​ العربيّ تُواجه المُشكلة نفسها!.