في نيسان من العام الماضي طلبت الحكومة من حاكم ​المصرف المركزي​ ​رياض سلامة​ تقديم جردة حساب تمنحها القدرة على رؤية ماليّة الدولة بوضوح، لبناء سياسات ماليّة مستقبليّة تُتيح لها الحوار مع ​صندوق النقد الدولي​، فكان لها ما أرادت، ولكن على طريقة سلامة الذي قدّم لرئيسي الجمهورية والحكومة 3 ورقات عليها الأرقام، مكتوبة بخطّ اليد.

ومنذ نيسان حتى اليوم، وكما جاء على لسان وزيرة المهجرين في حكومة تصريف الأعمال ​غادة شريم​، في تصريح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن "رياض سلامة​ ولتاريخه لم يقدم للحكومة تقريراً كاملاً عن حسابات المصرف مع أنها استماتت لمعرفتها منذ اليوم الاول".

تمكّن سلامة من الوقوف بوجه كل من طالبوه بالأرقام، فكان يخبرهم ما يريد ويُخفي ما يريد، حتى أنّ أحد نوابه تحدّث مرّة عن حجم المبلغ المتبقّي للدعم، فتبيّن أنه خاطئ، كون سلامة أعلن عن رقم مختلف بعد أسبوعين، ولكن ما يواجهه سلامة اليوم يختلف، فالقضية أصبحت خارج الحدود اللبنانية.

منذ أسبوع تقريباً فجّرت السلطات السويسرية قنبلة قضائية في لبنان بعد أن طلبت التوسع في التحقيق بشأن ​تحويلات مالية​ تخصّ حاكم ​مصرف لبنان​ رياض سلامة ومقرّبين منه، تبلغ قيمتها 400 مليون دولار، تخصّ سلامة وشقيقه ومساعدته ومؤسسات تابعة للمصرف المركزي، بينها شركة ​طيران الشرق الأوسط​ و​كازينو لبنان​، وهذه القنبلة، وإن كان سلامة ومقربين منه قد نفوا حقيقة الأرقام، إلا أنّها لا يمكن أن تُثار بمعزل عن التفسير السياسي لها.

وفي هذا السياق ترى مصادر مصرفيّة لبنانيّة أن تداعيات قضية سلامة لم تظهر بعد، وما هو قادم سيكون أكبر بحال لم يتمكّن حاكم المصرف من تبرئة نفسه أمام القضاء السويسري، مشيرة عبر "النشرة" إلى أنّ هذه القضية بحال وصلت إلى نتيجة تُدين سلامة ستحمل الكارثة الأكبر للقطاع المصرفي لأنّه عندها ستُفتح أبواب جهنّم على كل من حوّل أموالاً من لبنان إلى الخارج قبل تشرين الاول 2019، وبعده، وفي الوقت ذاته ستكون قنبلة بطريقة إيجابية بحال ثبت براءة سلامة وزيف الإدّعاءات لأنّ هذا الأمر سيبرّئ ​القطاع المصرفي​ ويثبت وجود حملة مسيئة بوجهه.

الفرنسيون ينفّذون وعدهم

إن ما يجري مع حاكم المصرف المركزي بحسب الخبير بالشؤون الفرنسية ​تمام نور الدين​ سببه الوعد الفرنسي بأنّ ملفّات السياسيين اللبنانيين الماليّة ستُفتح بحال لم تنجح المبادرة الفرنسيّة التي أطلقها الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ من بيروت، مشدداً على أن الفرنسيين ربما اعتبروا أن بإمكانهم "الدخول إلى هذا الملعب من خلال رياض سلامة، محاسب النظام السياسي اللبناني.

ويرى نور الدين أن سلامة قد يكون المدخل للوصول إلى "ممسك" على السياسيين، يمكن من خلاله الضغط عليهم في أكثر من مسألة، منها الوصول إلى صيغة جديدة للنظام اللبناني.

ويضيف نور الدين في حديث لـ"النشرة": "بكل تأكيد سيستكمل الملف القضائي مساره الطبيعي، ولكن المؤكّد أيضاً أن الملف سيخضع للبازار السياسي بين الدول، معتبراً أن الغطاء الدولي لسلامة يسقط عندما "تحترق ورقته"، ليبدأ البحث عن غيره، وهذا الأمر يحصل بشكل دائم، مشيراً إلى أن الخطوط الحمر التي وُضعت سابقًا حول سلامة لن تبقى لأن واضعها سيكون مربوطاً بدوره بجهات خارجيّة، ولكن هذا لا يعني أن "الإستسلام" سيكون سيد الموقف، بل ستحصل مقاومة في الداخل دفاعاً عن حاكم المصرف!.