منذ شهر تقريباً يحاول بعض الوسطاء تقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، وكلّما لاحت في الأفق بوادر حلحلة، ساءت العلاقة بينهما، وما حصل مؤخراً من تصريحات صحفيّة لعون والرد عليه للحريري يؤكد ذلك، كل هذا على وقع أمر غريب يحصل في طرابلس.

من السياسة نبدأ، إذ تُشير مصادر سياسية مطّلعة إلى أن بوادر الحلحلة الخارجية التي ظهرت بداية الأسبوع الحالي، قابلها تشدّد أكثر في الداخل، وفي ذلك تأكيد على أن عراقيل ولادة الحكومة لا تنبع من الخارج حصراً، مشدّدة على أنّ محاولات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ومدير عام الامن العام اللواء عباس إبراهيم باءت بالفشل حتى هذه اللحظة، فلا زيارة مستشار رئيس الجمهورية ​سليم جريصاتي​ إلى البطريرك أتت بالحلول، ولا زيارة ابراهيم إلى رئيس ​التيار الوطني الحر​ ​جبران باسيل​ حملت الفرج.

وترى المصادر أن أزمة الثقة بين عون والحريري تكبر يوماً بعد آخر، ولكن هذا لا يعني أن الرجلين لن يلتقيا، لعلمهما أن ​تشكيل الحكومة​ يتطلب هذا اللقاء، إنما تجعل هذه الأزمة الاجتماع أصعب، مشددة على أن الهمّ اليوم لدى المسؤولين أصبح "الحفاظ على الأمن".

في الشقّ الأمني، تتوقف المصادر عند أحداث طرابلس، مشيرة إلى أنّ كل اللبنانيين يدركون أن الأحداث الاخيرة لم تكن بريئة، وتحديداً الأجهزة الأمنيّة، التي وللمناسبة، أثار تعاطيها مع أحداث طرابلس الكثير من علامات الإستفهام، التي حاول رئيس الجمهورية استيضاحها من وزيرة الدفاع في حكومة ​تصريف الأعمال​ زينة عكر.

وتكشف المصادر أنّ الاجهزة الأمنيّة كانت على علم بالمخطّط المحضّر للمدينة منذ الأربعاء الماضي، إذ كانت تُشير المعطيات إلى أنّ جماعات معروفة بالإسم تحضّر لعمليات شغب، وتجهّز القنابل الحارقة المصنوعة يدوياً، وخصوصاً بعد انتهاء أحداث الشغب الاولى، كان معروفاً أنّ ليل الخميس سيشهد محاولات جديدة لاقتحام سراي المدينة، ومع ذلك لم تتحضّر القوى الأمنية للمواجهة، فاحترقت ​بلدية طرابلس​ والمحكمة الشرعيّة، وتضررت السراي.

تُبدي المصادر تخوّفها من احتمال استكمال التحركات العنفيّة في طرابلس، مع دخول جماعات إرهابيّة على الخط، خصوصاً أنّ المعلومات حول خلايا إرهابيّة نائمة متوافرة لدى المعنيين منذ أسابيع، ولا شكّ أن تحرّك خلايا "داعش" في العراق وسوريا، قد يكون مؤشراً حول نية هذا التنظيم الإرهابي على إعادة التحرك والعمل في البيئة التي يجد فيها متنفساً للحركة، والشمال هو أحد هذه البيئات التي يمكن التحرك فيها، تماماً كما حصل بداية الخريف من العام الماضي.

إن هذه المخاوف يتم التداول فيها على أعلى المستويات السياسية في البلد، وجولات اللواء عباس إبراهيم الاخيرة على المرجعيات جاءت في هذا السياق، وتلفت المصادر النظر إلى أن ما يجري في الشمال يأتي بإيعاز خارجي، وتنفيذ داخلي، وهدفه لا يقتصر على الضغط على رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة المكلف في الشأن الحكومي، إنما يمتدّ إلى ما هو أبعد، وتحديداً، ما يتم التحضير له لمستقبل لبنان، وتوجهّاته، والتي ستبدأ بالظهور قريباً مع عودة التحرك الفرنسي إلى الواجهة.

ليست الأوضاع الأمنيّة وحدها ما يُثير القلق، فإلى جانب "الكورونا" أيضاً، يجري التحضير لإضرابات واسعة في لبنان، من قبل موظّفي ​القطاع العام​، والأساتذة، فهل يتّجه لبنان نحو الفوضى التي تسبق التسويات عادة؟.