سمعانُ تهلَّلَ بِالرُّوح. ها هُوَ يَحمِلُ مَن انتَظَره سنينَ طِوال، ويَلتقي بِمَن كانت روحُهُ تَلهَجُ به. فانطلَقَ لسانُه يُنشِدُ خَلجاتِ قلبِه، ويشدو نشيدًا تتناقله الأجيال.

إنّه نشيدُ العُبورِ مِنَ السُّفليَّاتِ إلى العُلويّات، ومِنَ الظُّلمةِ إلى النُّور.

لذا تَختُمُ الكنيسةُ صلاةَ الغُروبِ بهذا النَّشيدِ لتَقول: تَبدَّدَ غُروبُ حياتِنَا وأشرقَ عَلينَا النُّورُ المُحيي، وها بِتنَا جاهزِينَ لنُنشِدَ مع صاحبِ النَّشيد: "الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ"(لوقا ٢٨:٢-٣٢).

قبل أن نَغرِفَ مِن هذه الكلماتِ النُّورانيَّة، لا بُدَّ أن نُوضحَ أنّ كلمَةَ "​إسرائيل​" في الكتابِ المُقدَّسِ لا تتكلَّمُ على دَولةٍ، بَل تُشيرُ إلى كلِّ إنسانِ تَعلَّقَ باللهِ ولم يَترُكْه، أي اتَّخَذَ اللهُ إلهًا لَهُ قلبًا وقالبًا.

ثلاثةُ مَحاورَ في هذا النَّشيد:

١- أن يُطلَق بسلام: مَن يجرؤ منّا أن يقولَ: أنا جاهِزٌ لأَنطَلِقَ مِن هذهِ الحَياةِ وأقفَ بِالكُليَّةِ أمامَكَ يا رَبّ؟.

أمرٌ صعبٌ للغَايةِ لَكنَّهُ آتٍ عَاجِلًا أم آجلًا لا مَحالة. ألا نَستَعِدُّ له إذًا بالتَّوبةِ والتَّنقيةِ الدَّاخليّةِ وأعمالِ الرَّحمةِ الصَّادِقَة؟.

٢- أبصَرَ الخَلاصَ: هَل نحنُ أيضًا نُبصِرُ أم لنا عيونٌ ولا نرى؟ الخَلاصُ هو يسوعُ الفادي ولا أَحَدَ غيرَه، فَهَل ما زِلنا نبحثُ عَن مُخلِّص؟.

٣- نورٌ ومَجد (عظمة): "الشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا"(إش ٢:٩). هذه هي تَعزِيَتُنا. ويجب ألاّ يَغفَلَ عن ذِهنِنا أنَّ لنا مجدًا إلهيًّا أعدَّهُ اللهُ لنا مِن قَبلِ تَأسيسِ العَالَمِ، "لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ"(أفسس ٤:١).

نشيد سمعان الشيخ هذا كان ثالث نشيد يذكره لوقا الإنجيلي:

الأوّل، نشيد ​مريم العذراء​ التي افتتحته قائلةً: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي". وقد أنشدته بعد أن قالت لها أليصابات «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟.

"الثاني، نشيد زكريا والد القدّيس يوحنا المعمدان، وابتدأ به قائلًا: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ" (لوقا 1: 68). الرب ينتظر لقيانا ونشيدنا.

خِتامًا، الهيكلُ المَصنوعُ بِيَدِ إنسانٍ يأخُذُ بِهذا العِيدِ بُعدَهُ الحَقيقيّ، وسيُصبحُ "الْمَسْكَن الأَعْظَم وَالأَكْمَل، غَيْر الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هذِهِ الْخَلِيقَةِ"(عب١١:٩).

فَتَعالَ يا رَبُّ وأدْخُلْ هيكَلَ نُفوسِنا لِنُصبِحَ نحنُ هيكلَكَ أنت.