عندما انطلقت "ثورة 17 تشرين" ظنّ كثيرون في ​لبنان​ وخارجه أنّ مسار الانهيار اللبناني المتدحرج سيتوقف ولو بعد حين، إما من خلال تغيير حكومي أو سياسي أو قضائي تفرضه جماهير الساحات و​المجتمع المدني​.

أتت النتيجة عكسيّة. تضخّم هذا المسار وتراكمت الكوارث على مختلف أنواعها، من مالية واقتصادية واجتماعية، وصولاً الى إنفجار مرفأ ​بيروت​، وتعطّل المبادرة الفرنسية، وشلل مؤسسات الحكم، وتدهور الأوضاع الاجتماعية والأمنية من ​طرابلس​ إلى بيروت، والحبل على الجرار، في ظلّ صمت دولي وعربي ومحلي مريب وتداعيات جائحة ​كورونا​ المتعاظمة يومياً...

وربّ سائل: هل ما يحصل مجرد صدفة، و/أو انعدام رؤية، أو سوء إدارة، أو تداعيات صراع داخلي على السلطة من دون أفق ما أدى الى هذه النتيجة الكارثية التي ما تزال تتفاعل، أم أنّ هناك مساراً وبرمجةً ما، على خلفية حسابات وصراعات محاور دولية وإقليمية بعضها له امتدادات في الداخل تتلاقى مع مواقف قديمة جديدة من قضية ​النازحين السوريين​ و​التوطين​ و​حزب الله​ وتغذيها الصراعات الداخلية، لكنها لا تتحكم لا بمسارها ولا بنتائجها؟

دعونا نعود إلى الملفات الداخلية، ونتوقف عند هذه الملاحظات:

1- الملف المالي والنقدي والاقتصادي وحتى الاجتماعي بات مصيره، بعد توقف ​الحكومة​ الراهنة عن دفع استحقاقات سندات اليوروبوند بحجة الحفاظ على الاحتياطي الالزامي في ​مصرف لبنان​ بينما هي مستمرة في استنزافه من خلال ​سياسة​ الدعم دون ترشيد، بات في عهدة ​صندوق النقد الدولي​ كممر إلزامي لأية خطة إنقاذ مالية مهما كان نوعها، وإلا لا أموال.

2- الملف الحكومي يخضع لشروط دولية أفضلها المبادرة الفرنسية، وهو مرشح – مع التعطيل الحاصل في مسار التأليف معطوفاً على الانهيارات المتواصلة – أن يؤدي إلى وضع لبنان تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق ​الأمم المتحدة​ الذي يتيح للمنظمة الأممية اتخاذ قرارات ملزمة، في حال تهديد السلم والإخلال به ووقوع عدوان على المدنيين في إحدى الدول...

3- شلل ​القضاء اللبناني​ الذي لم يستطع حتى الساعة الحسم في أي ملف بما في ذلك ملف تفجير مرفأ العاصمة، بالرغم من إنقضاء حوالى الستة أشهر على التفجير، كما التدقيق الجنائي، بالرغم من صدور قانون يعلّق ​السرية المصرفية​ في مصرف لبنان لمدة سنة. وكان لافتاً قرار ​الولايات المتحدة الأميركية​ إخضاع مسؤولين لبنانيين لعقوبات دولية و تحرّك القضاء السويسري بملف الأموال المحولة إلى الخارج.

4- وأخيراً، وفي الموضوع الأمني، علينا ألا نغفل عن وجود أكثر من 500 ألف لاجئ فلسطيني في مخيمات بعضها أشبه بغيتوات عسكرية – ما تزال تجربة ​مخيم نهر البارد​ ماثلة أمامنا – كما ما يقارب من مليوني نازح سوري تشكل عودتهم إلى ديارهم مشكلة دولية وسورية على حدّ سواء، ما يجعل هذا الملف جاهزاً للتفجير، خصوصاً في ظل المسار الراهن.

فهل نستمرّ من دون حكومة ومؤسسات وإدارة وإصلاح وقضاء، وفي حالة انعدام وزن غير مسبوقة بانتظار الانفجار الكبير، أو نبادر لوقف عجلة الموت المتسارعة؟

لعلّ الجواب ليس صعباً... يبقى الفِعل.