فيما ينشغل ​العالم​ بسباق التسلح النووي وكيفية الحد منه، يعمد المسؤولون في ​لبنان​ الى الهاء اللبنانيين بمسألة الثلث المعطل في ​الحكومة​ العتيدة التي طال تشكيلها لاسباب خارجيّة وبأصابع داخليّة، مهما كثر الكلام الرسمي وغير الرسمي عن أنّ كل العوائق الموضوعة امام الحكومة هي داخليّة وليست خارجيّة. ولمن يعارض هذا المنطق نسأل: ألم تحدد المبادرة الفرنسيّة اسس ​تشكيل الحكومة​ التي يشدد رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ ليل نهار انه وفيٌّ لها ويعمل فقط بوحيها؟ أليس شرط عدم انضمام ​حزب الله​ او أيّ من مؤيّديه ومحازبيه وانصاره الى الحكومة هو الذي منع تشكيلها خلال ادارة الرئيس الاميركي الأسبق ​دونالد ترامب​؟ ألم تشترط ​فرنسا​ تولّي شؤون الطّاقة عبر من تثق به لحلّ مشكلة ​الكهرباء​ و​المياه​ وغيرها؟ ألم يرضَ الحريري باعطاء ​وزارة المال​ للطائفة الشيعيّة بعد أن وصله ​الضوء​ الاخضر من الخارج؟.

اما داخلياً، وفي خضمّ كل هذه المعمعة، تبقى الحكومة في انتظار من ينقذها من سباتها العميق، فيما يبرز موضوع الثلث المعطّل على انّه عقدة العقد التي يجب حلها. وفي حين يصرّ الحريري ومعه رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ على أنّ رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ هو الذي يطالب بهذا الثلث، يصرّ الاخير على انه لم يطلب يوماً الحصول على هذه الميزة، فأين الحقيقة؟ في الواقع، نحن أمام سيناريوهين لا ثالث لهما: الاول ان الثنائي بري-الحريري هو المحقّ وان عون يعرقل التشكيلة للسيطرة على القرار الحكومي، والثاني ان ​رئيس الجمهورية​ بريء من التهمة والعقدة تتمثل بمشكلة اخرى. ازاء هذا الموقف، ليس هناك سوى حلّ وحيد يضع الامور في نصابها، وهو ​الاعلان​ على الملأ وبشكل رسمي عن التشكيلة الحكوميّة التي قدّمها الحريري لعون، فيتّضح من خلال الاسماء والمراكز حقيقة المسألة ويوضع حدّ نهائي للسجال.

هناك اثنان فقط منوط بهما هذا الامر رسميا (ولو ان هناك وفرة من الطبّاخين المطّلعين على المسار التفصيلي للتشكيل): عون والحريري. واذا كان عون هو المتّهم بالعرقلة، فليس من مصلحته الكشف عن التشكيلة والاسماء، وبالتالي يكون لزاماً على الحريري ان يخطو الخطوة ويريح الجميع. منذ اكثر من اسبوعين، يتمّ الترويج الى أنّ الحريري "سيبقّ البحصة" حتى قبل ​14 شباط​ وما يحمله هذا الموعد من ذكريات واحداث، فلماذا لا تكون هذه هي البحصة المنتظرة؟.

يعلم الحريري جيداً انه اذاأقبل على هذه الخطوة، فلن يكون بمقدوره التراجع عنها، لأنّها اذا كانت صحيحة فستحرج عون وستعني فعلياً حرباً مفتوحة مع رئيس الجمهورية بدل المعارك الدائرة حالياً بينهما،والتي لا يزال يمكن تطويقها او الحدّ منها، وقد تضع الحريري ايضاً في موقف حرج لانه من الصعب جداً ان لم يكن من المستحيل عدم ربط الشخصيات المسمّاة بالاحزاب بشكل مباشر او غير مباشر.

اما في حال كانت الخطوة في غير محلها واتت لصالح عون، فعندها ستتعقد الامور بشكل كبير، ليس فقط على الحريري الذي سيتعرّض لحملات واسعة، بل أيضاً على برّي الّذي دعمه بالسرّ والعلن وارفق هذا الدعم ببيان صادر عنه يتّهم عون (من دون ان يسمّيه) بالسعي للحصول على الثلث الضامن، كما أنّهما سيكونان محرجان ايضاً وايضاً اذا ما تبيّن أن منبين الاسماء المطروحة من يناصرون الاحزاب والتيارات السياسية، فتسقط عندها مناداتهما بحكومة غير حزبيّة تقتصر فقط على اختصاصيين ومن اصحاب ​الكفاءات​.

واذا ما اعتمدنا المعيار اللبناني لحلّ المشاكل، فإن الامور ستبقى على حالها الى أن تتغير المعطيات الخارجيّة، فتسقط العوائق الداخليّة وتعود المياه الى مجاريها بين الجميع بعد ان يرضوا بما حصلوا عليه، فيتابعون حياتهم كالمعتاد فيما تكون شريحة كبيرة من اللبنانيين قد دفعت ثمناً غالياً لقاء تأمين استمرارية المسؤولين انفسهم.