منذ عام تقريباً و​لبنان​ يعيش في معمعة تحويل الأموال الى الخارج، إتهامات متبادلة وكلام عن ضرورة إسترداد هذه الأموال، تقاذف مسؤوليات وشكوك ولكن دون نتيجة تذكر... فخلف الأبواب المغلقة للمصارف حُوّلت مليارات ​الدولار​ات و"طارت الأموال"... عام على معاناة اللبنانيين من إنهيار العملة وفقدان الدولار من لبنان، وملفّ تهريب الأموال الى الخارج مفتوح دون نتيجة...

منذ عام ولبنان يعيش في "غيبوبة" عن هذا الملفّ، فيسمع ​اللبنانيون​ فيه الشعارات حتى جاء القضاء السويسري ليحرّك القضاء بإرسال مراسلة من مكتب النائب العام السويسري، يطلب فيها ​مساعدة​ قضائيّة في موضوع تحقيق جنائي يجريه مكتب النائب العام بشأن تحويلات مالية، قال إنها تخصّ حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ وشقيقه ومعاونته ومؤسسات مالية أخرى، وقدّرت قيمة التحويلات بـ400 مليون دولار.

"تحرّك القضاء السويسري جاء نتيجة عدد من المعطيات تكوّنت لديه وقام به بالتعاون مع الهيئات المالية السويسرية ويرفض الإفصاح عن أساس المعلومات التي حرّكت الملف". هذا ما تؤكده مصادر قضائية عبر "النشرة"، لافتة الى أن "التجارب السابقة أثبتت أنه لن يتم الإفصاح عن الموضوع".

الـFINMA تحقّق

تلفت المصادر عينها الى أن "هيئة الاشراف على الاسواق المالية السويسرية (FINMA) (1) تباشر تحقيقاتها بسرّية في ملف معيّن ولا يُعلن عن ذلك، فحتى الشخص المعني الذي يودع أمواله في الحسابات السويسريّة لا يعرف أنّ تحقيقاً فُتح في الملفّ"، مشيرة الى أن "سبب التركيز على السرّية في إجراء ​التحقيقات​ يعود لكون النظام المصرفي السويسري هو نظام مهمّ للإقتصاد السويسري من هنا يحاط الموضوع بالكتمان حتى لا يساء الى هذا النظام عبر الاشاعات"، مؤكدة في نفس الوقت أنه "عند التحقيق بسرّية في شبهة معيّنة فإذا تبين براءة المشتبه به يُقفل الملفّ، أما إذا ظهر في التحقيقات التورط فحتماً يُصار الى إستكمال التحقيقات، فماذا يعني ذلك"؟.

تحقيق سويسرا وصل لنتائج؟

أمام هذا المشهد الذي وصّفته المصادر، يمكن الإستدلالعلى أن التحقيق الأولي في سويسرا وصل الى نتائج حتى تمّ الإعلان عنه وأُرسلت المراسلة الى بيروت ودخلنا في "تعاون قضائي"(2) بين لبنان وسويسرا، مشيرة الى أن "لبنان معني أساسي في هذا التعاون لوجود ثلاثة لبنانيين مشتبه بهم، احدهم حاكم ​المصرف المركزي​ ورئيس هيئة التحقيق الخاصة فيه رياض سلامة، وماريان الحويك هي المساعد الأول للحاكم منذ 2007، ولديها مركز تقريري وللإثنين الامكانات لتحريك الأموال من حسابات المصرف المذكور".

كيفية التعاون القضائي

تشير المصادر الى أن "التعاون القضائي بين لبنان وسويسرا لا يجب أن يقتصر على إعطاء معلومات للجانب السويسري، فرياض سلامة ليس شخصاً عادياً لأنه شخصية مالية أساسية، وهنا التعاون الدولي يتحوّل تلقائياً الى تحقيقات لبنانيّة، ف​القضاء اللبناني​ ليس "صندوق بريد" في القضيّة خصوصا وأن الحاكم مسؤول لبناني، وفي كلّ دول ​العالم​ التي حصلت فيها حالات مشابهة فتحت تحقيقات قضائية ولم تكتفِ بالتحقيق السويسري، فماذا فعل القضاء اللبناني في هذه الحالة"؟.

هنا علمت "النشرة" أن "مدعي عام التمييز ​غسان عويدات​ يكتفي حالياً بتنفيذ مضمون الاستنابة التي وصلت من سويسرا، والتي تتضمّن عدة تدابير مجهولة حتى الساعة وسيقوم بتقديم أجوبته الى السلطات السويسرية، لكنه وتزامنا مع هذا الاجراء لن يلجأ حاليا الى فتح تحقيق في القضية بإنتظار نتائج التحقيقات في سويسرا".

غفوة للقضاء اللبناني أم ضغوط؟

وهنا ترى المصادر أن من واجب القضاء اللبناني واليوم قبل الغد فتح تحقيق بالموضوع تزامنا مع ما يجري في الخارج، معطية أمثلة "إذا تشاجر إثنان وواحد أطلق النار على الآخر فليس أمام المدعي العام إلا أن يفتح تحقيقا بالحادث، وهذا ليس خيارا، ويحقّق بسبب الحادث، وهل هو متعمّد أم لا"، مؤكدة أن "هذا من واجب المدّعي العام، وفي حالة سويسرا أكد المدعي العام السويسري اشتباهه بجرائم تبييض الاموال المشدّدة، استنادا الى المادة 305 الفقرة 2 حسب التنصيف الجزائي السويسري وهذه بحد ذاتها شبهة جرميّة، اضافة الى اعلان المدّعي العام السويسري طلبه من القضاء اللبناني القيام بتدابير، وبالتالي أصبحت هناك وقائع علنية تستوجب تحرّك القضاء اللبناني".

إذا، وأمام كلّ هذه الوقائع والمعطيات يجب الإدراك أن الأمثلة كثيرة في العالم والتي تشبه وضع لبنان، ففي 26 نيسان 2018 فتحت ​النيابة العامة​ السويسرية تحقيقا ضد مجهول في بادئ الامر على خلفيّة شبهات فساد في ​البنك المركزي​ الانغولي BNA والصندوق السيادي الانغوليFSDEA نتج عنها تبيان تبييض لهذه الأموال في سويسرا ودول أخرى.

نموذج أنغولا

حصل تعاون قضائي وقتذاك بين سويسرا وأنغولا وقام مكتب النائب العام فيها بالتوسع بالتحقيقات التي أدّت الى توقيف العديد من الاشخاص على رأسهم إبن رئيس جمهورية أنغولا السابقالذي كان يشغل منصب رئيس الصندوق السيادي اضافة الى شخصيات من جنسيات مختلفة. وفي تموز 2018 بدأت عمليّة اعادة مبلغ 60 مليون دولار الى انغولا حتى نهاية العام 2018 كان لا يزال مبلغ 150 مليون دولار تحت يدّ المدعي العام السويسري، وفي الوقت عينه تم تجميد حسابات في ​بريطانيا​ وغيرها، في حين قُدرت المبالغ المهربة الى خارج أنغولا والناتجة عن الفساد بـ30 مليار دولار.

أمام هذا كلّه ما الذي يمنع لبنان من أن يحذو حذو بقيّة دول العالم التي شهدت أمثلة مشابهة ويفتح تحقيقا قضائياً مستقلا فيه وصولاً الى تبيان الحقيقة وحجز الأموال واستردادها؟!.

-(1) هيئةالإشراف على السوق المالية السويسرية (FINMA) هي الهيئة الحكومية السويسرية المسؤولة عن التنظيم المالي. وهذايشمل الإشراف على البنوك وشركات التأمين وبورصات الأوراق المالية وتجارالأوراق المالية، فضلاً عن الوسطاءالماليين الآخرين في سويسرا.

FINMAهي مؤسسة مستقلة لها شخصيتها القانونية الخاصة ومقرها في برن وهي مستقلة مؤسسياً ووظيفياً ومالياً عن الإدارة ​الفيدرالية​ المركزية و​وزارة المالية​ الفيدرالية وترفع تقاريرها مباشرة إلى البرلمان السويسري.

(2)-يشمل مبدأ التعاون القضائي في سويسرا على:

-آليات تعاون حول أشخاص معرضين سياسياً PEP (رؤساء، نواب، مدراء، متعهدين...)

-اتخاذ القرارات الاحترازية والمستعجلة خاصة لناحية تجميد الحسابات ووضع اشارات منع التصرف بالأملاك...

-تبادل المستنداتأو المعلومات التي تؤسس لملاحقة جزائية في دول مختلفة.

-طلب مساعدة قضائية.