منذ حفل تنصيب الرئيس الأميركي ​جو بايدن​، بدأ الحديث في الأوساط اللبنانية عن تفويض واشنطن للرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ إدارة الملف المحلي، لا سيما أن الأخير كان قد طرح مبادرة في عهد الرئيس السابق ​دونالد ترامب​، التي وضعت العديد من العراقيل في طريقها، خصوصاً من خلال ​سياسة​ العقوبات التي طالت بعض الشخصيات السياسية.

هذا الواقع، تأكد أولاً من خلال طرح هذا الملف خلال الإتصال الهاتفي بين الرئيسين الأميركي والفرنسي، وثانياً من خلال البيان المشترك الصادر عن وزيري خارجية البلدين ​جان إيف لودريان​ و​أنتوني بلينكن​، بمناسبة مرور 6 أشهر على الإنفجار الذي حصل في ​مرفأ بيروت​ في الرابع من آب الماضي، إلا أن الكثير من الأسئلة لا تزال تطرح حول ما إذا كان هذا التفويض كافياً لتحريك هذا الملف، عبر تسريع ولادة الحكومة العتيدة برئاسة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري؟.

من وجهة نظر مصادر سياسية مواكبة لمسار التأليف، يبدو أن باريس تدرك جيداً أنها بحاجة إلى المزيد من الدعم لهذا التفويض، تحديداً من جانب المملكة العربية ​السعودية​، التي لديها القدرة على التأثير في الساحة اللبنانية، خصوصاً أن رئيس الحكومة المكلف يأخذ بعين الإعتبار موقفها، وبالتالي لا يمكن له أن يذهب بعيداً في خطواته من دون أن يحظى بالرضى الكامل منها، نظراً إلى التداعيات التي قد تترتب على ذلك.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ الحريري سعى، في الفترة الماضية، إلى محاولة تحصين تكليفه بدعم إقليمي كبير، من خلال سلسلة من الزيارات التي قام بها إلى العديد من الدول، من ​الإمارات العربية المتحدة​ ثم تركيا وصولاً إلى مصر، لكنها تعتبر أن المحطة المفصلية التي يطمح لها تكن في الرياض، حيث الرغبة في عقد إجتماع مع المسؤولين هناك، أي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، نظراً إلى أن العلاقة بينهما، منذ العام 2017، لم تعد على طبيعتها.

في قراءة المصادر نفسها، رئيس الحكومة المكلف ليس في وارد تكرار خيار الذهاب إلى أي تسوية من دون الحصول على المباركة السعودية، كما حصل عندما تبنى ترشيح ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​، نظراً إلى أن المرحلة لا تحتمل أي مغامرة منذ هذا النوع، فهو على الصعيد الشخصي يواجه منافسة شرسة على الزعامة في الساحة السنية، بينما على الصعيد الوطني يدرك أن أي عملية إنقاذ لا يمكن أن تتم من دون أن تعطي الرياض الضوء الأخضر بإتجاه تحريك المساعدات نحو بيروت.

بالنسبة إلى أوساط سياسية متابعة، فإن باريس تدرك هذا الواقع جيداً الأمر الذي يدفعها إلى التحرك في هذا الاطار، فهي كانت من أول المبادرين بالسعي إلى إرضاء الرياض، عبر الحديث عن ضرورة إنضمامها إلى أي مفاوضات حول الإتفاق ​النووي الإيراني​ في المستقبل، بالتزامن مع الزيارة التي من المتوقع أن يقوم بها ماكرون إلى السعودية في منتصف الشهر الحالي، حيث من المفترض أن يتم التداول خلالها بالملف اللبناني.

وتشير هذه الأوساط إلى أن فرنسا، الراغبة في تعزيز حضورها على الساحة اللبنانية، لا تريد أن تكرر الأخطاء التي وقعت فيها في الفترة الماضية، ولهذا تسعى إلى الحصول على الضمانات اللازمة لإنجاح مبادرتها، بدءاً من التفويض الأميركي وثانياً عبر المباركة السعودية، نظراً إلى أن فشلها في هذا المجال سيكون له تداعيات كبيرة على طموحها في حجز موقع لها على هذه الساحة، الأمر الذي من المفترض أن يتظهّر بشكل أوضح في المرحلة المقبلة.

في المحصّلة، تلفت الأوساط نفسها إلى أن الحراك الفرنسي قد لا يقود إلى إنفراجة سريعة على المستوى اللبناني، نظراً إلى أن ما تقوم به باريس يشبه العملية الجراحيّة في مرحلة حساسة جداً، لا سيما بعد الإنتقادات التي تعرضت لها من الجانب الإيراني بسبب مواقفها ​الجديدة​، خصوصاً تلك التي تناولت حضور السعودية في أي مفاوضات جديدة مع ​طهران​.