في خضم الحملة القائمة لمواجهة "​كورونا​" وتداعياته الكارثية على الصحة و​الاقتصاد​ والاعمال والحياة اليومية، كان الوباء يصيب، بطريقة غير مباشرة، وضعاً من خارج نطاق ​الانسان​ وهو اتفاق "​مار مخايل​" الشهير بين ​التيار الوطني الحر​ و​حزب الله​. المقارنة في هذا السياق، انما تأتي لان الاتفاق اصيب في جهازه التنفسي، اي في العلاقة الداخلية بين الطرفين والنظرة المختلفة بينهما حول العديد من المواضيع والامور المتعلقة بحسن سير العمل في الدولة، ولكن هذا لا يعني بأيّ حال من الاحوال تحضير مراسم الدفن، فالجوهر الاساسي اي الشأن العام في ما يتعلق بالنظرة الى ​العدو الاسرائيلي​ والدعم المطلوب في مثل هذه الحالة لم يمسّ ومن غير المرجح ان يتم مسّه في ​المستقبل​. وليس خفياً ان التيار الوطني الحر هو الذي طلب مراجعة البنود الداخلية للاتفاق، وهو اصدر بالامس سلسلة مواقف كافية لاظهار "امتعاضه" من عدم وقوف الحزب الى جانبه في الكثير من المواضيع. ويعتبر التيار أنّ استمرار الحزب في سياسته هذه، لن تفيده وهو قد يعمد الى البحث عن حليف آخر في هذا المجال، رغم ان الخيارات محدودة جداً، انما تبقى بالنسبة اليه افضل من ان يكون مسمّى على الحزب في الشؤون الداخلية دون ان يستفيد من هذه التسمية.

على خط آخر، لا يمانع الحزب من اجراء جولة ثانية على بنود الاتفاق في شقه الداخلي الصرف، فهو وان لم يلحقه ضرر بأن يسمى حليفاً للتيار في هذا المجال، الا انه يجد نفسه غالباً يقف على الحياد في العديد من الامور، رغم انه ينحو الى رأي مخالف لتوجّه التيار، مع احتفاظه في الكثير من الاحيان بالحق في اتخاذ قرار يخالف تماماً قرار التيار في الكثير من الامور. وفي حين يقدّر الحزب التزام الوطني الحرّ بالتحالف في العديد من الملفات، وهو ما عبّر عنه بتوجيهه الشكر اليه بشكل علني، الا ان المسألة لا تزال مهزوزة في هذا الاطار، وخصوصاً بعد الاعلان عن وضع رئيس التيار النائب ​جبران باسيل​ على لائحة العقوبات الاميركية واعتباره ان السبب الحقيقي الكامن وراء ذلك هو تحالفه مع الحزب وعدم قبوله الانقلاب عليه.

من هنا، وفي جردة اولّية لحسابات الربح والخسارة، فإن الطرفين رابحان من جراء اعادة النظر والتقييم في الشأن الداخلي للاتفاق، ولكن نسبة ربح الحزب تبقى اكبر من تلك التي تخصّ التيار الذي دخل في معارك سياسية داخلية حول مواضيع وملفّات معتمداً على دعم الحزب له، ولكنه لم يدرك ان للحزب توجهات اخرى لا تتلاقى مع توجهاته في العديد من هذه الملفّات، وهذا ما جعل الوطني الحر يعتبر ان المعركة ضد ​الفساد​ والهدر "مش ماشية" في الاتفاق بصيغته الحالية، وانه لا بد من الحديث في هذا الشأن ومعرفة المواقف والتوجهات بشكل واضح قبل الدخول في معارك جديدة لن تعود عليه بالفائدة. ولكن المشكلة الاساس في اعادة النظر ببعض بنود الاتفاق، تكمن في ان التقارب بين الطرفين، في حال حصوله، سيعني حتماً ابتعاد الحزب عن حلفاء آخرين وفي مقدمهم حركة "امل" وهو امر لا يبدو انه في وارد القبول به حتى الآن، ومن المرجح ان تكون هذه المعضلة العقدة الاكثر حساسية في أي تعديلات جديدة قد يشهدها الاتفاق الذي استفاد منه الطرفان في بنود اخرى. يبقى ان التوقيت هو الافضل حالياً للطرفين لاعادة النظر، فكلا منهما يعاني من مشاكل مع الاطراف السياسية والحزبية الاخرى الموجودة على الساحة، وليس هناك من مجالات كبيرة لانشاء تحالفات وتفاهمات جديدة، حتى في الشؤون الداخليّة، رغم ان العنوان الاكبر للمعركة اليوم هو ​الوضع الاقتصادي​ والمالي وما يرتبط بهما من ممارسات في الدولة.