«وصاعداً نحو التئام الحلمِ... تنكمش المقاعدُ تحت أشجاري وظلّكِ...

يختفي المتسلّقون على جراحك كالذباب الموسميّ... ويختفي المتفرجون على جراحك

فاذكريني قبل أن أنسى يديّ! وللفراشات اجتهادي والصخورُ رسائلي في الأرض»

(​محمود درويش​ - أحمد العربي)

رواية 1984 لجورج أورويل، إحدى روائع الأدب الإنساني في القرن العشرين، تمَّ نشرها عام 1949، قبل سنتين من وفاة الكاتب بمرض السل. تقع أحداث الرواية في منطقة افتراضية - ​بريطانيا​ سابقاً- وهي إحدى مقاطعات دولة عظمى تدعى أوشينيا، وتكون أحداث الرواية في عالمٍ مضطرب في حالة حرب مستمرة. نتيجة لتلك الحروب، تصبح الرقابة الحكومية على الأفراد والسيطرة عليهم وعلى أفكارهم هم ​السلطة​ الأساسي، وذلك لكون المجتمع في نزاع دائم ومهدد من العدو! وتكون مقاطعة إيرستريت تحْت سلطة نظام سياسي يُسمّي نفسه الاشتراكية الإنكليزية، وهذا النظام السياسي تحكمه شلة من أعضاء الحزب الذين يعتبرون الفكر الحُر جريمة أصبح عنوانها «جريمة الفِكر». يجسّد «الأخ الاكبر» في الرواية صورة قائد يحكم كزعيم يتربّع على رأس طغيان النظام. «ونستن سميث» موظف في «​وزارة​ الحقيقة»، ووزارة الحقيقة مسؤولة عن الدعاية الحزبية وعن مراجعة التاريخ ليتلاءم مع أهداف سلطة الحزب وبناء أسطورته. وظيفة وينيستون هي عبارة عن إعادة صَوغ المقالات القديمة وتزوير أحداث الحقائق التاريخية بحيث تتوافق مع دعاية الحزب. بعد إحداث التعديلات المناسبة على الوثائق، كان أعضاء من الوزارة يتلفون المستندات الأصلية، وبالتالي إخفاء أي دليل على كذب الحزب. وكانت «وزارة الثقافة» تجبر المواطنين على الحضور إلى صالات أمام شاشات عملاقة للاستماع إلى توجيهات الأخ الأكبر، وكانت تنتهي الحفلة بحفلة شتائم على الأعداء. ونستن سَوّلت له نفسه بطرح بعض التساؤلات المنطقية عن بعض الفرضيات البديهية حول الدعاية الحزبية، فانشقت الأرض وابتلعته وتعرض لشتى أنواع التنكيل وغسل الدماغ، ليعود كالزومبي ويصطفّ مع جموع الهاتفين بحياة الأخ الأكبر.

(هيهات منّا الذلّة) جملة قالها الإمام الحسين يوم ​عاشوراء​ أمام جيش الأخ الأكبر يزيد. قال إمام المستضعفين «إنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركزني بين اثنتين السلّة والذلّة... وهيهات منّا الذلة»، أي أن الأخ الأكبر يومها أراد منه إمّا أن يسلّم فكره وعقله لدعاية السلطة، أو يستلّ سيفه ويحاربه. الحسين اتخذ قراره بألّا يسلم الأخ الأكبر حريته فقتل وهو يقاتل، رغم أنه كان يعلم مصيره. كلام الحسين يعني أنه لا يليق بالحر أن يحيا ذليلاً تحت سلطة ​الفاسد​، وأنّ عليه أن ينتصر لعزّة نفسه باسترداد كرامته بالاحتجاج او ​الثورة​.

لقمان سليم​ لم يكن يؤمن بالأساطير، ولكنه بالتأكيد يحفظ سيرة الحسين عن ظهر قلب، ولكنه ترك وراءه الأساطير وانكَبّ ليفهم معنى استشهاد الحسين، فاعتبر أنّ الرسالة الإيمانية الأعظم هي قول كلمة حق في وجه ظالم. لم يعترف بسلطة الأخ الأكبر، ورفعَ في وجهه سيف الفكر واللسان، وراح يواجه الأكاذيب بالوقائع، والتضليل بالحقائق، وتوجّه إلى قطيع الجموع المتجمهرين حول الشاشات العملاقة بأن يكسروا قيودهم ويفتحوا عقولهم للنقد والتحليل، بدل السير من دون هدى. لم يأبه بالتهديد ولا بالوعيد وسار إلى عاشورائه برأس مرفوع.

وفاء ​لبنان​ لشهادة لقمان سليم علينا فضح الأخ الأكبر وسياساته التي حوّلت تبييض الأموال إلى حلال، وجعلت من خدمة مصالح دول أخرى وطنية، وأوهَمت الناس أنّ قتل المدنيين عمل مقاومة، وتحويل لبنان وجنوبه وبقاعه وضاحيته منصة ​صواريخ​، والأمهات حاضنات لتفريخ الشهداء.

لقمان سليم إلى جوار الحسين حتى ولو كان رماداً.