مع تسارع وتيرة ​الاتصالات​ والتحركات الدولية لمعالجة الازمة ال​لبنان​ية، ومع دوران المحركات الفرنسيّة في هذا المجال، كان لافتاً بروز الاهتمام الخليجي "الزائد" بالانفتاح على لبنان عبر حضور واتصالات ولقاءات، كان آخرها زيارة وزر الخارجية القطري الى ​بيروت​. في الظاهر، لم يتغيّر شيء لجهة اعلان ​الدول العربية​ ومنها الخليجية تحديداً استمرار دعمها للبنان واللبنانيين عبر تأمين الحاجات الاساسية، مع اشتراط قيام ​حكومة​ سريعة وفاعلة من اجل تدفق الاموال والمساعدات. هذا الكلام هو نفسه الذي تبنته الدول الكبرى وفي مقدمها ​فرنسا​ و​الولايات المتحدة​ منذ مدّة، ولا تحمل جديداً او ما يمكن الاعتداد به لكسر الجمود الحاصل على الصعد كافة. ولكن هذه الاستفاقة المفاجئة تدفع الى تساؤلات عديدة حول توقيتها وهدفها، خصوصاً وان الصف الخليجي لم يعد واحداً في الواقع كما كان عليه، بل تحول الى فروع عدة. لا يمكن اخفاء الشرخ الكبير الحاصل بين ​الدول الخليجية​، وبالتحديد بين ​السعودية​ و​الامارات​ وقطر، ويبدو ان الامارات قررت القيام بالتجربة القطرية لجهة الاستقلالية عن السعودية، لذلك بتنا نرى حركة اكبر بكثير باتجاه هذه ​الدولة​ العربية والتي عززت حضورها الدولي واستقلاليتها عن ​الرياض​، بتوقيعها اتفاق تطبيع العلاقات مع ​اسرائيل​. اما من جهة قطر، فعلى الرغم من عدم توقيعها اتفاقاً مع اسرائيل، الا انها نجحت في الخروج من عباءة السعودية، وباتت بعد تخطيها مشكلة العقوبات التي فرضت عليها، اكثر حضوراً وقوة على الساحة.

وفي عز الانشغال الخليجي بالاستقلالية،يبدو لبنان السحة الابرز لحجز مقعد على ساحة الحضور الاقليمي، ف​اليمن​ مشكلة اكثر تعقيداً من لبنان ويتطلب حلها العديد من الخطوات التي قد تأخذ وقتاً طويلاً نسبياً، ولو ان الاندفاع الاميركي في اتجاه "تلطيف الامور" مع ​الحوثيين​ هناك اخذ طريقه. من هذا المنطلق، يمكن فهم "السباق الخليجي" في لبنان، لان عناصر الحل فيه، ولو انها لا تزال غير متوافرة، تبقى اسرع واسهل من الحل في اليمن، ومع تزخيم الاهتمام الدولي وبالاخص الفرنسي لتسريع خطوات الحل، وفي ظل غياب الحذر العربي والاقليمي والدولي من اي قرار تتخذه الادراة الاميركية الحالي على عكس ما كان يحصل مع الادارة السابقة، تتسارع الخطى الخليجية لضمان بقائها على طاولة الساحة اللبنانية.ولا يمكن لاحد اقصاءالسعودية ومكانتها الدينية بالنسبة الى شريحة كبيرة من اللبنانيين، وعمدت الامارات الى فتح خطوات عملية كي تعيد تعبيد الطريق مع لبنان، فيما تسعى قطر الى اعادة دورها والتذكير باستضافتها ​مؤتمر​ الحل اللبناني عام 2008 في ​الدوحة​ والذي ارسى اسساً جديدة للاتفاق بين المسؤولين السياسيين والحزبيين اللبنانيين. ووفق المنطق المتّبع، فإن الاسراع في ترسيخ الحل في لبنان، يعني ان لا مجال بعد لاقامة مؤتمر تأسيسي جديد، اكان في قطر او في ​باريس​ او في اي مكان آخر، فلا رغبة دولية في اطالة الازمة اكثر من ذلك، واقامة مؤتمر تأسيسي جديد يتطلب وقتاً وجهداً اكبر بكثير من حل بعض المشاكل ل​تأليف​ حكومة جديدة، وقد يكون من الافضل اقامة مثل هذا المؤتمر اذا ما تعقدت الامور في وقت لاحق في استحقاقات دستورية اكانت على صعيد ​الانتخابات الرئاسية​ او ​الانتخابات النيابية​.

ليس بمقدور احد ان ينكر النشاط الحاصل في الحركة الدبلوماسية الدولية والعربية في اتجاه لبنان، والتي يؤمل منها ايجاد حل موقت للمشكلة اللبنانية يكون كافياً لتمرير المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة، ويعيد الرونق الى الحضور الفرنسي في ​العالم​، ويعطي دوراً لبعض الدول الخليجية (مع عدم نسيان السعي المصري للدخول في النادي ايضاً)، وتكون صورة العلاقة الغربية مع ​ايران​ قد اتضحت بشكل اوثق، وما على اللبنانيين الا انتظار الحل الذي لن يكون في ايديهم كالعادة، ولكن سيكون من خلالهم للحفاظ على البروتوكول المتبع فقط لا غير.