في 10 آب 2020، وبعد الزلزال الذي أحدثه إنفجار الرابع من آب في ​مرفأ بيروت​، قدّم الدُكتور حسّان دياب إستقالة حُكومته، مُبرّرًا خطوته آنذاك بقوله "لأنّ مَنظومة ​الفساد​ أكبر من ​الدولة​، أعلن إستقالة الحُكومة"... واليوم، وبعد مُرور ستة أشهر كاملة، لا يزال ​لبنان​ من دون حُكومة، ولا تزال مَنظومة الفساد هي نفسها! فهل من أمل يُرتجى من الوساطات المحليّة، وتلك الخارجيّة؟.

لا شكّ أنّ زيارة وزير الخارجيّة القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الوفد المُرافق، تدخل في خانة الوساطات العربيّة، لكنّ سقفها مَحدود وقد إختصره المبعوث القطري بنفسه خلال إجاباته على أسئلة الإعلاميّين، حيث كان واضحًا بأن "لا مُبادرة لدعوة السياسيّين إلى ​الدوحة​ حاليًا"، وبأنّ "أي برنامج إقتصادي قطري لمُساعدة لبنان، بحاجة إلى حُكومة تؤمّن الإستقرار في لبنان". والكلام القطري المَذكور يختصر موقف مُختلف الدول العربيّة والخليجيّة بالتحديد، حيث أن لا مُساعدات للبنان قبل تشكيل حكومة جديدة، ترضى عنها هذه الدول، ولا إستعداد لنقل أيّ وساطة عربيّة إلى مرحلة إستضافة ​مؤتمر​ حواري خاص باللبنانيّين.

وبالنسبة إلى التحرّك الفرنسي الذي عاد وشهد نشاطًا ملحوظًا خلال الأيّام القليلة الماضية، بفعل إتصالات الرئيس الفرنسي إيمانيول ​ماكرون​ العربيّة والدوليّة، لا سيّما الأميركيّة والسُعوديّة منها، وبغضّ النظر ما إذا كان سيتمّ قريبًا إرسال مبعوث فرنسي إلى لبنان أم لا، فإنّ سقف هذا التحرّك مَحدود أيضًا، لأنّ الكرة في الملعب اللبناني. وبحسب المَعلومات، إنّ الرئيس ماكرون الذي كان ألغى زيارته إلى لبنان نهاية العام الماضي، بعد إصابته بوباء "​كوفيد 19​"، لن يزور لبنان مُجدّدًا قبل ​تحقيق​ التقدّم المَنشود داخليًا، على مُستوى تشكيل الحُكومة، وبالتالي إنّ كل الوعود الفرنسيّة بالعمل على فتح الطريق أمام بدء تدفّق المُساعدات و​القروض​ الماليّة الدوليّة هي بحُكم المُجمّدة حاليًا. كما أنّ أي وساطة فرنسيّة جديدة لا تتمتّع بقُوّة الفرض، ولا تتجاوز التمنيّات التي يُمكن إسقاطها بسهولة داخليًا.

وفي ما خصّ تحرّكات رئيس ​الحكومة​ المُكلّف ​سعد الحريري​ الذي تنقّل أخيرًا بين أكثر من دولة عربيّة وغربيّة، لا سيّما منها مصر و​الإمارات​ و​فرنسا​، فهي لم تحمل جديدًا على مُستوى التدخّل المباشر في ملفّ تشكيل الحُكومة، حيث يهدف الحريري منها إلى تأمين مظلّة أمان عربيّة–دوليّة للبنان، في مُحاولة لإبعاده عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة، في ضوء الكباش الأميركي–الإيراني المُتجدّد، عشيّة إحتمال مُعاودة المُفاوضات بشأن العُقوبات على إيران،والبرنامج ​النووي الإيراني​. كما أنّ تحرّكات الحريري الخارجيّة، تصبّ في خانة تأمين الوساطات لرئيس "تيّار المُستقبل" شخصيًا، ليتمكّن مُجدّدًا من تعزيز علاقته بالمملكة العربيّة السُعوديّة بعد الإهتزاز التي إعترى هذه العلاقة. وفي كل الأحوال، فإنّ مُختلف الدول العربيّة تنتظر ما سيحصل في لبنان في الملف الحُكومي، لتبني على الشيء مُقتضاه، حيث لا مبادرات مُنتظرة لكسر الدوران اللبناني في الحلقة المُفرغة، ولا مُساعدات قبل إعادة تحديد موقع لبنان من مُجمل القضايا العربيّة.

بالعودة إلى الداخل اللبناني، كان لافتًا تمسّك رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ بما وصفه بيان مكتبه الإعلامي "الحقوق الدُستوريّة" التي يحرص رئيس الجمهوريّة على المُحافظة عليها وعلى المُناداة بتحقيقها، في إشارة إلى تمسّك الرئيس بالمُشاركة الفعّالة في تسمية الوزراء، وفي إعتماد معايير واحدة في عمليّة التشكيل. وهذا يعني أنّ المواقف المُتضاربة بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المُكلّف ما زالت على حالها، وأن لا "تنازلات" مُتبادلة مُرتقبة–بغضّ النظر عن الخلاف على التعابير وعلى التوصيفات. والسجالات التي حصلت في الأيّام القليلة الماضيّة بين عدد من مسؤولي وأعضاء تكتّلي "التيّار الوطني الخرّ" و"​حركة أمل​"النيابيّين، أثبتت مُجدّدًا تحصّن الحريري بدعم داخلي واسع، يشمل بأقلّ تقدير كلاً من "المُستقبل" و"الإشتراكي" و"أمل" و"​المردة​"، إلخ. ما يعني أنّ رئيس الحكومة المُكلّف لن يتنازل بسهولة هو الآخر. وحتى وساطات "​حزب الله​" المُباشرة، وغير المُباشرة منها، لم تنجح في تقريب وجهات النظر، خاصة وأن "الحزب" مُحرج بين موقفي حليفيه المُتضاربين، أي "التيّار الوطني الحُرّ" من جهة، و"حركة أمل" من جهة أخرى، مع الإشارة إلى أنّ "التيّار" يعتبر ضُمنًا أنّ رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه برّي​ هو من هندس مسألة إسقاط حُكومة دياب، وإعادة ​تكليف​ الحريري–بعكس إرادة "الوطني الحُرّ"، وهو من يدعم رئيس الحكومة المُكلّف حاليًا، بشكل يحول دون كسر حال الجمود في ملف تشكيل الحُكومة.

في الخُلاصة، التحرّكات كثيرة، والوساطات والتدخّلات مُتعدّدة، لكنّ الهُوّة كبيرة إلى درجة أن ردمها يحتاج لأكثر من مُجرّد وساطة هنا وتدخّل هناك. فالمسألة عبارة عن تضارب بين نهجين مُختلفين على صعيد أسلوب الحُكم، وتوجّهاته أيضًا، وبالتالي الخروج من هذه ​الأزمة​ الحادة صار يحتاج إلى نوع من "المُعجزة"، لأنّه لا يبدو أن تفشّي الأوبئة و​البطالة​ و​الفقر​ والعوز في المُجتمع اللبناني يؤثّر في مواقف المسؤولين المَعنيّين، ولا الإرتفاع الكبير الإضافي للأسعار الذي فوجئ به اللبنانيّون مع إعادة فتح المتاجر الكبرى!.