عندما حلّ وزير ​خارجية قطر​ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ضيفاً في ​بيروت​، لم يتوقع أيُّ مراقب أن تكون الدوحة تُرسل أي مبادرة سياسية لحل الأزمة اللبنانية، بما فيها الملف الحكومي العالق، بل جرى الحديث عن محاولة قطرية بدفع تركي، للحرتقة على المبادرة الفرنسية، ولو بالشكل، خصوصاً أن الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ آت الى ​الرياض​ خلال الشهر الجاري لإجراء اجتماعات سياسية-إقليمية وإقتصادية مشتركة بين الفرنسيين والسعوديين، في ظل سباق بين باريس و أنقره في شرق المتوسط.

اساساً، لا قدرة قطرية على فرض أي حل، ولا تكرار لما حصل عام ٢٠٠٨ بإستنساخ ​مؤتمر الدوحة​ عندما جمعت عواصم القرار الإقليمي-الدولي اللبنانيين في ذاك المؤتمر. لا يوجد أي توجه لا إقليمي ولا دولي لتكليف الدوحة بعقد إجتماع مصالحة للقوى اللبنانية المتخاصمة. ولّى زمن الدور القطري الجامع الفاعل لعدة أسباب:

أولاً، لعب القطريون دوراً سلبياً في إفتعال أزمة سوريا عام ٢٠٠١، ودعموا الحركات الإسلامية المتطرفة المتفرعة عن تنظيم "​الإخوان المسلمين​" بشكل رئيسي، و"​جبهة النصرة​" وليدة تنظيم "القاعدة" التي خرّبت سوريا، ثم كانوا رأس حربة ضد دمشق دبلوماسياً وسياسياً وعسكرياً. مما يعني أن التباعد القطري-السوري نسف أي دور محتمل للدوحة في لبنان، كان ينجح سابقاً بفضل الموافقة السورية عليه ودعم دمشق.

ثانياً، ولّد التحالف القطري-التركي أثراً سلبياً، إنعكس على أي دور تقوم به الدوحة، على وقع الأزمات المفتوحة بين تركيا و​العالم العربي​، وتحديداً مع المملكة العربية ​السعودية​ و​الإمارات العربية​ المتحدة وسوريا ومصر. فلا مباركة عربية لأي خطوة قطرية، رغم المصالحة الأخيرة.

ثالثاً، إذا كان كلٌ من السعوديين والإماراتيين والمصريين والسوريين يملكون مساحات من العلاقات المتينة والطيبة مع شرائح واسعة من اللبنانيين، في وقت يُجمع ​الشعب اللبناني​ على تقدير ومحبة دولة الكويت، فإنّ أزمات قطر مع ​الدول العربية​ المذكورة إنعكست سلباً على تأثير الدوحة في لبنان.

رابعاً، تزداد نقزة اللبنانيين من الأتراك الذين لعبوا ادواراً سلبية ولا يزالون في الساحة السورية، وسط رغبة أنقرة بتمدّد نفوذها نحو لبنان. مما يضع أي حليف لتركيا في مصافها اقليمياً، و تحديداً في لبنان.

خامساً، تعتبر الغالبية في لبنان أن المبادرة الفرنسية هي خطوة إيجابية لا يجوز التصويب عليها لضربها، لأن باريس تقف الى جانب بيروت بكل المقاييس، وهي لم تترك لبنان في أصعب المحن، سابقاً وحالياً. واذا كانت المبادرة الفرنسية مجمّدة منذ فترة، فإن المسوؤلية تقع على عاتق اللبنانيين الذين رفعوا سقوف شروطهم، وليس على باريس التي لا تزال تحاول تقريب المسافات وحلّ الخلافات بين القوى اللبنانية.

سادساً، لا مصلحة للبنان بالإبتعاد عن العواصم العربية، وتحديداً: القاهرة وابوظبي ودمشق والرياض والكويت. فهم يستطيعون دعم لبنان ومنع سقوطه، إذا قرروا. إن أي مشاكسة او ابتعاد للبنان عن تلك الأركان العربية سينعكس سلباً على كل اللبنانيين.

لذا، فإن الحل اللبناني يُفرض بعد عودة التوافق العربي بشأن لبنان، والذي كانت تعبّر عنه في السنوات والعقود الماضية معادلة سين-سين. هنا يجري الإعتماد على الإمارات العربية ومصر لإعادة جوهر تلك المعادلة بين الرياض ودمشق. فمتى تلم أبوظبي والقاهرة شمل العرب؟.

عندها فقط، يمكن أن تنظّم خلافات عدة، وتجري تسوية أزمات في أكثر من ساحة، ومنها لبنان، بدل مواجهة التمدد التركي بالمفرق.

حتى الآن، ورغم كل الحراك الدبلوماسي تجاه لبنان، وجولات رئيس ​الحكومة​ المكلّف سعد الحريري الخارجية، ومحاولات فرض حل للأزمة الحكومية في لبنان، تفيد المعلومات بأن العقد لا تزال قائمة لعدم توافر الثقة بين القوى اللبنانية المتخاصمة، بدليل مساعي الحصول على الأثلاث المعطّلة. ثم هناك من يقول: ستولد الحكومة عندما تشاهدون اجتماعاً بين الحريري وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. عندها يُمكن اعتبار اللقاء بمثابة مباركة لتأليف حكومة لبنانية مدعومة من السعودية.

فلنفترض أن الإفراج تمّ عن الحكومة العتيدة، بفضل نزول اللبنانيين من أعلى الشجرة، فمن سيدعم لبنان مالياً ولوجستياً؟.

سيكون الأمل موجوداً في حال توافقت العواصم العربية المذكورة المقتدرة على الوقوف الى جانب اللبنانيين، ومن دون تلك المعادلة العربية لا أموال ستصل الى بيروت، ولا ضمانات بمستقبل لبناني إقتصادي صحّي، في زمن الصعود الإماراتي العربي الناجح نحو المريخ.