منذ تاريخ الزيارة السابقة التي قام بها رئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​ إلى ​القصر الجمهوري​، طرأت الكثير من التطورات على العلاقة التي تجمعه ب​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​، لا سيما بعد الفيديو الشهير الذي تسرب عن لقاء عون برئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ ​حسان دياب​، إلا أن الأكيد أن الجميع كان ينتظر عودة الإجتماعات بين الجانبين، نظراً إلى أنها الوسيلة الأسهل ل​تأليف الحكومة​ التي ينتظرها الجميع، سواء في الداخل أو في الخارج.

في الفترة الماضية، فضّل الحريري، في الوقت الضائع، القيام بمجموعة من الزيارات الخارجيّة، عمد فريقه السياسي والإعلامي إلى التسويف بأن الهدف منها تأمين المساعدات في المرحلة التي تلي ​تشكيل الحكومة​، بدل أن يكثّف اللقاءات مع رئيس الجمهورية لإنجاز التشكيلة بأسرع وقت ممكن، في حين كان في الداخل من يؤكّد بأن رئيس الحكومة المكلّف يبحث، من خلال تلك الزيارات، عن تأمين المظلة الدولية والإقليميّة له، في ظل الموقف السعودي المتشدد لناحية ترؤسه حكومة تضم "​حزب الله​".

في هذا السياق، برز أول من أمس لقاء رئيس الحكومة المكلّف مع الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​، الذي كانت تعلّق عليه الكثير من الأمال على أن يكون البوابة التي تعبد الطريق أمام ولادة الحكومة، نظراً إلى أنّ ​باريس​ تسعى بكل ثقلها إلى ​تحقيق​ خرق في ​الأزمة اللبنانيّة​ يعيد إنعاش مبادرتها، التي كانت قد تعطلت في مرحلة الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، بسبب الدور السلبي الذي لعبته الإدارة السابقة ب​رئاسة​ ​دونالد ترامب​، وهي تستفيد من ليونة أبدتها إدارة الرئيس الجديد ​جو بايدن​ على هذا الصعيد.

بعد عودة الحريري من لقائه الباريسي سارع إلى طلب موعد مع عون، بالرغم من عدم حصول أيّ تطور إيجابي يمكن ​البناء​ عليه، وهو ما تأكّد من خلال المواقف التي أطلقها من القصر الجمهوري بعد اللقاء، حيث أكّد أنه لا يزال عند طرحه تشكيل حكومة إختصاصيين من 18 وزيراً، رغم علمه بأن هذا الطرح مرفوض من قبل رئيس الجمهورية، الأمر الذي تمّ التأكيد عليه من خلال البيان الصادر عن مكتب الإعلام في الرئاسة، الذي أشار إلى أنّ رئيس الحكومة المكلف لم يقدم أي جديد.

ما تقدم يدفع إلى الجزم بأنّ اللقاء لم يأتِ إنطلاقاً من رغبة لدى الحريري في البحث في كيفيّة إنجاز التشكيلة الحكوميّة، التي تتطلب توافقاً مع رئيس الجمهورية كما ينصّ ​الدستور​، نظراً إلى أنه لم يحمل معه أيّ جديد يمكن البناء عليه رغم الفترة الطويلة الفاصلة عن اللقاء الماضي بينهما، بل إنطلاقاً من طلب فرنسي بضرورة الإجتماع مع عون لتسهيل المهمّة الفرنسيّة في المرحلة، التي تنتظر الزيارة التي سيقوم بها ماكرون إلى ​الرياض​ في الشهر الحالي، حيث الرهان على أن يحصل من المسؤولين في ​المملكة العربية السعودية​ على التسهيلات اللازمة.

في المحصلة، بات من شبه المستحيل تأليف الحكومة قبل زيارة الرئيس الفرنسي إلى السعوديّة، حيث عاد الحريري من جولاته الخارجيّة بسلة خاوية فارغة تنتظر حصوله على ​الضوء​ الأخضر من المملكة، التي تسعى إلى حجز موقع لها في أي مفاوضات جديدة مع الجمهورية الإسلاميّة في ​إيران​، لا سيما بعد خسارة حليفها ترامب الإنتخابات الرئاسية في بلاده، وفوز بايدن الراغب في إعادة التفاوض مع ​طهران​، رغم أنّ طريقه إلى تلك المفاوضات لا تبدو سهلة على الإطلاق.