بعد أيام قليلة على تسمية رئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​، طغت على البلاد أجواء إيجابية بإمكانية ولادتها سريعاً، نظراً إلى الظروف الدقيقة التي تمر بها على كافة المستويات، المالية، الإقتصادية، الإجتماعية، الصحية والأمنية، إلا أن هذا الأمر لن يتحقق نتيجة مجموعة واسعة من العوامل يختلف المعنيون في تحديد مصدرها، بين من يرى أنها تعود إلى أسباب خارجية ومن يعتبر أنها محصورة بالخلافات الداخلية على الحصص والتوازنات.

اليوم، هناك شبه إجماع على أن انعدام التوافق أو الثقة بين ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف هو المعرقل الأساسي لعملية التأليف من الناحية المحلية، في حين أن معارك البيانات، بين ​قصر بعبدا​ و​بيت الوسط​ وبين تيار "المستقبل" و"​التيار الوطني الحر​"، باتت هي العنوان الرئيسي لعملية التأليف، كبديل غير منطقي عن التشاور والتواصل لتدوير الزوايا.

بعيداً عما يحصل على مستوى العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، الأمر الذي من المفترض أن ينعكس على المرحلة التي ستلي عملية التأليف، أي على طريقة عمل الحكومة برمتها، وبالتالي من المفترض أن يدفع إلى السؤال عن إمكانية التعايش أو الإنتاجية في ظل هذا الواقع، هناك مسألة جوهرية يجب التوقف عندها، تكمن بأن الأجواء الحالية توحي بإمكانية ​تأليف الحكومة​ في أي عاصمة إلا ​بيروت​، نظراً إلى أن الجميع ينتظر الحل الخارجي الذي قد يطول إنتظاره.

قبل ​الإنتخابات الرئاسية الأميركية​، كان الجميع يتحدث عن ضرورة إنتظار معرفة هوية الرئيس الجديد للولايات المتحدة قبل تحريك الملف اللبناني، وبالتالي كان الرهان على أن تشكل الحكومة بعد تنصيب الرئيس الجديد ​جو بايدن​، إلا أن هذا الأمر لم يحصل لا بل الإنتظار انتقل إلى ما قد يحمله الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​، الراغب في لعب دور محوري على الساحة المحلية، في حين كان هناك من يعتبر أن الأساس هو معرفة مستقبل العلاقات الأميركية ال​إيران​ية، في ظل التوجه نحو إعادة التفاوض حول الإتفاق النووي.

في الأيام الماضية، انحصر التركيز على ما قد ينتج عن جولات رئيس الحكومة المكلف الخارجية، الذي يتنقل من عاصمة إلى أخرى، لتأمين مظلة دولية له بينما يرفض لقاء بعض الأفرقاء المحليين أو التعاون معهم، بالتزامن مع توجيه الإنظار نحو ما قد ينتج عن زيارة الرئيس الفرنسي إلى ​السعودية​، حيث من المفترض أن يكون الملف اللبناني حاضراً في اللقاءات التي سيجريها مع المسؤولين في ​الرياض​.

في ظل هذا الواقع برز مقترح غريب عجيب لا يمكن أن يحصل إلا في دولة قاصرة، يقوم على أن تتولى ​باريس​ تسمية وزيرين في الحكومة المقبلة: الداخلية والعدل، أي بحسب الأعراف اللبنانية وزارتين سيادتين، لحل مسألة الخلاف على الحصص بين الأفرقاء المعنيين، وربما لاحقاً، في حال حصول ذلك، سيقومان بالتنسيق مع الإليزية قبل التصويت على أي قرار في ​مجلس الوزراء​، في حين أن محاسبتهما من المفترض أن تكون أمام ​مجلس النواب​ الفرنسي.

في المحصلة، الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل قد لا تكون في وقت قريب، على عكس الأجواء التي حاول الجميع تعميمها في الأيام الماضية، نظراً إلى أن اللاعبين الإقليميين والدوليين على الساحة المحلية كثر، من ​أميركا​ إلى ​فرنسا​ إلى السعودية إلى إيران إلى مصر و​الإمارات​، وهناك لاعبيين جدد طامحين إلى الدخول على الخط، أبرزهم ​تركيا​، ومن المعروف أن لكل منهم حق النقد (الفيتو)، وبالتالي الإنتظار قد ينتقل، من حيث المبدأ، إلى ما بعد ​الإنتخابات الرئاسية الإيرانية​ أو السورية.