لفتت مصادر مواكبة للأجواء الّتي سادت الجولة الخامسة عشرة لمشاورات ​تأليف الحكومة​، بين رئيس الجمهوريّة ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، لصحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أنّ "المحاولة الأخيرة الّتي قام الحريري لإخراج عمليّة التأليف من التأزّم الّذي يحاصرها، اصطدمت برفض قاطع من الرئيس عون، الّذي أَحجم عن إفساح المجال أمامه للبحث في مخارج يمكن أن تُحدث صدمة إيجابيّة تدفع باتجاه التسريع في ولادة الحكومة".

وأشارت إلى أنّ "الحريري تجاوز الاعتبارات الشخصيّة واتهام الرئيس عون له بالكذب، وقرّر التوجّه إلى ​بعبدا​ للقاء الأخير لتمرير رسالة إلى ال​لبنان​يّين بعدم مقاطعته لرئيس الجمهوريّة، وأنّه جاد ب​تشكيل الحكومة​، لئلّا تضيع على البلد الفرصة الذهبيّة المتوافرة الآن لإنقاذه"، مركّزةً على أنّه "تجاوَب مع رغبة الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ بمعاودة التواصل، من دون أن يتنازل عن الثوابت الّتي التزم بها، والمستمدَّة من خريطة الطريق الّتي رسمتها المبادرة الفرنسيّة، والّتي تحظى بدعم دولي؛ والّتي من شأنها أن تُسهم في توفير الدعم المالي والاقتصادي للبنان لانتشاله من الهاوية الّتي هو فيها الآن".

وأوضحت المصادر أنّ "عون لم يبدّل من شروطه، ويصرّ على أن تتشكّل الحكومة من 20 وزيرًا، على أن يسمّي هو 6 وزراء من المسيحيّين من دون الوزير المحسوب على "​حزب الطاشناق​"، إضافةً إلى الوزير الدرزي الثاني، ما يتيح له الحصول على "الثلث الضامن"، مبيّنةً أنّه "بشروطه، أوصَد الأبواب في وجه تشكيل حكومة مهمّة، تُحاكي الإطار العام للمبادرة الفرنسيّة".

ورأت أنّ "الحريري لم يبالغ بقوله في نهاية اللقاء بعدم حصول أيّ تقدّم"، مؤكّدةً أنّ "الكرة الآن في مرمى رئيس الجمهوريّة الّذي لم يبدّل من شروطه، وأنّ توزيعه للوزراء المسيحيّين يُثبت بالملموس، وبخلاف ما يدّعيه، أنّه يشترط حصوله على الثلث الضامن، وبطريقة حسابيّة باتت مكشوفة، ولا يبدّل نفيه الدائم لشروطه هذه واقع الحال بخصوص توزيع الحقائب".

كما أفادت بأنّ "مجرّد قيام الحريري بلقاء عون، قوبل بعدم ارتياح على الأقل في شارعه السياسي، لكنّه أَقدم على خطوته هذه لإنقاذ البلد وقطع الطريق على تدحرجه نحو المجهول، وكان يراهن على ترفّع رئيس الجمهوريّة عن الحسابات السياسيّة الضيقة لإعادة تعويم وريثه السياسي رئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​، لأنّ لديه مصلحة في إنقاذ الثلث الأخير من ولايته الرئاسيّة؛ للتعويض عن إخفاقه في تحقيق ما تعهّد به".

وسألت المصادر عن "الأسباب الكامنة الّتي تقف عائقًا أمام عون لإنقاذ عهده من جهة، وليعيد تواصله مع القوى السياسيّة الرئيسة، انطلاقًا من أنّ موقعه الرئاسي يتطلّب منه لعب دور الجامع بين اللبنانيّين، والساعين بلا ملل للتوفيق بين الجهات المتنازعة بطرح الحلول الوسطيّة للانتقال بالبلد من مرحلة التأزم إلى الانفراج؟". وشدّدت على أنّ "مشكلة عون تكمن في أنّه يصرّ على تبنّيه للأجندة السياسيّة لباسيل، بدلًا من أن يكون له أجندته الخاصّة للتصالح مع القوى السياسيّة أو معظمها على الأقل، وهذا ما يظهر من خلال لقاءاته اليوميّة الّتي تقتصر على ما تبقّى من "أهل البيت" ممّن كانوا على تحالف معه".

وذكرت أنّ "مَن يواكب النشاط السياسي اليومي لعون، سرعان ما يكتشف بأنّ لديه مشكلة مع معظم حلفائه السابقين، في الوقت الّذي هو في أمسّ الحاجة إلى التواصل مع الخصوم والحلفاء بحثًا عن الحلول لإنقاذ البلد، خصوصًا أنّ رمي المشكلة على الآخرين لن يقدّم أو يؤخّر، وبالتالي لن يُصرَف سياسيًّا على الصعيدَين المحلّي والخارجي".

إلى ذلك، أبدت المصادر مخاوفها حيال "استجابة عون لنصائح فريقه السياسي، الّذي يتبع ​سياسة​ الإنكار والمكابرة في تجاهله لارتفاع منسوب التأزم السياسي، وما يترتّب عليه من انهيار اقتصادي ومالي، وكأنّه يعيد البلد إلى ما كان عليه إبّان تولّيه ​رئاسة الحكومة​ العسكرية، الّتي زادت في حينها من الانقسامات"، مركّزةً على أنّ "البلد لا يُدار بحكم الرأس الواحد".