في الرابع عشر من شباط من كل عام، يحصد ​سعد الحريري​ ثمار ما ورثه عن والده الراحل ​رفيق الحريري​ من إرث سياسي ومالي وشعبي. وفي كل سنة، مهما كان المنصب الذي يتنقل فيه الحريري الابن اكان نائباً او رئيس حكومة او رئيس حكومة مكلّف، يعيدنا الى ايام والده وما فعله، ويحاول الايحاء بأنه مستمر على الدرب نفسه او انه يقوم بما قام به والده قبله. في الشق الانساني، يحقّ للابن ان يتمثل بوالده ويعتبره مثالهالاعلى، كما يحقّ له ان يرى نفسه يسير في الدرب نفسه ويقوم بالاعمال التي قام بها. هناك الكثير من الناس يرون في والده شخصاً مثالياً اعاد ​لبنان​ الى مصاف الدول المحترمة، وهناك آخرون يرون ان النهضة التي شهدها لبنان انما اتت على حساب البلد والخطط السياسية والاقتصادية الخاطئة التي تم انتهاجها والتي كانت سبباً في وصول البلاد الى ما هي عليه اليوم.

ولكن، على الرغم من وجود نظرتين، من المؤكّد ان احداً لا يمكنه ان يضع سعد الحريري بمنزلة رفيق الحريري. في الكلمة التي القاها بالامس، نسي الابن انه لم يكن وريث والده السياسي الا في اللحظةالاخيرة، وان شبح الاخ بهاء بقي يخيّم عليه الى ان ثبّت رجليه اخيراً بتكليفه تشكيل ​الحكومة​ وبجولة خارج لبنان اعطته الزخم اللازم للعودة بمعنويات عالية وبرصيد كبير جعله يتحصن خلف متاريسه التي وضعها، ليقول ان من راهن على ازالته لهذه المتاريس لم يكن على صواب، وان عملية شد الحبال لا تزال مستمرة. وما تكرار كلامه عن ان جولاته التي قام ويقوم بها هي لاثبات حضور لبنان في الخارج، علماً ان منصبه الرسمي هو نائب فقط، فرئيس حكومة مكلّف تشكيل حكومة لا يمكن الاعتداد به لانه يمكن ان يعتذر او لا يوفّق في القيام بمهمته لاي سبب كان. ولكنه اصرّ على التشديد على هذه العبارة للقول انّه يتمتّع "بثقة اقليمية ودولية" وبما يوحي انه على غرار ما كان يقوله النائب السابق ​فؤاد السنيورة​ "باق، باق، باق".

وعلى الصعيد الاقتصادي، لا يمكن مقاربة ما فعله سعد بإرث والده، والاهم ان الناس الذين لم يتوحدوا في رؤيتهم للحريري الاب، لم يأخذوا عليه يوماً انه بعد ساعات من نزولهم الى الشارع ومطالبتهم باستقالته وحكومته كما حصل في 17 ايار 2019، خرج من ​مجلس الوزراء​ ليعلن ان الوزراء والحكومة أقرّوا خطة اقتصادية قادرة على انتشال لبنان من محنته، وبالتالي جدّد ثقته في الوزراء نفسهم الذين يتبرّأ منهم اليوم، ويرى انهم يعرقلون مسيرته لانقاذ لبنان، فهو لم يشارك ولم يطّلع ولم يقرّر أي أمر أمعن من خلاله في إغراق لبنان في معاناته ورماله المتحركة سياسياً واقتصادياً ومالياً.

وما دام سعد الحريري حريص على الشفافية والقاءاللوم على ​رئيس الجمهورية​ في عرقلة المساعي الهادفة الى انقاذ لبنان من خلال ممانعته الموافقة على ​التشكيلة الحكومية​، فليعتذر ويضع الرئيس في مواجهة مباشرة مع النواب ومع الناس، وقبل ذلك، ليقل ما هِيّ الحصص التي اعطاها للاختصاصيين غير الحزبيين (كما يحلو لهم تسميتهم)، وليقنع الجميع كيف تمكّن من كسر كلام ​الثنائي الشيعي​ في مطالبهم واقصائهم كحزبين من الحكومة. لماذا لم يبقّ البحصة التي تمّ الترويج الىانه سيبقّها في هذا اليوم المنشود؟ هل تكاثرت يا ترى وبات من الصعب ان يبقّها؟.

ليس سعد الحريري وحده المسؤول عن "خراب لبنان"، ولكن ليس صحيحاً أنّه لا يتشارك المسؤوليّة مع الآخرين، وانّه كان منزّهاً عن كل ما جرى في العقود الماضية، وبما أن اللبنانيين (وللاسف غالبيّتهم وليس كلهم)، لا يزالون يناصرون الاحزاب والزعماء والتيارات السياسية على حساب حياتهم الكريمة وحياة ابنائهم، فلا بدّ من مراعاة الجميع وهو ما سيحصل على ما يبدو آجلاً وليس عاجلاً.