التوصيف الصحيح لاستمرار أزمة تشكيل ​الحكومة​ ال​لبنان​ية، هو أننا لا نزال في مرحلة تقطيع الوقت بانتظار تذليل عقبتين أساسيتين، خارجية، وداخلية:

أولاً، ​العقبة​ الخارجية، تأتي في المرتبة الأولى، وتتجسّد بالفيتو الأميركي، الذي وضعته ​واشنطن​ في مرحلة حكم الرئيس السابق ​دونالد ترامب​، على اثر دفع حكومة التوافق ب​رئاسة​ الرئيس الحريري إلى الاستقالة عقب اندلاع ​احتجاجات​ 17 تشرين الأوّل عام 2019، وهذا الفيتو الأميركي، يشترط رفع الحصار المالي الذي فرضته واشنطن على لبنان، بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، وهي وصفة هدفت إلى إقصاء ​حزب الله​ وحلفائه عن ​السلطة​ التنفيذية، والإتيان بوزراء هواهم أميركي، ومستعدين لتنفيذ الشروط والإملاءات الأميركية، انْ لناحية الاقتراض من ​صندوق النقد الدولي​، أو لناحية الاتفاق على تحديد ​الحدود البحرية​ والبرية بين لبنان و​فلسطين المحتلة​ بما يحقق الأطماع الصهيونية.. وما جعل الفيتو الأميركي يتحوّل إلى عقبة أمام ​تشكيل الحكومة​، هو رضوخ فريق ​14 آذار​ للطلبات الأميركية وعمله مع مجموعات الأنجيؤز على محاولة فرض حكومة أمر واقع تلبّي الشروط الأميركية.. وفي هذا السياق يمكن وضع ما قاله بالأمس الرئيس ​سعد الحريري​ حول دعوته لحكومة ترضي بعض ​الدول العربية​، والغرب… أيّ أنه يدعو الى ​تشكيلة حكومية​ تأخذ بالاعتبار طلبات واشنطن و​الرياض​ بالدرجة الأولى، ما يجعل من المستحيل ​تحقيق​ ذلك في ظلّ موازين القوى المحلية التي حالت دون نجاح خطة الانقلاب الأميركية…

إذا اقتنعت ​الإدارة الأميركية​ ​الجديدة​ برئاسة الرئيس ​جو بايدن​ بعقم هذه ​السياسة​، وأنها لم تؤدّ إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها، وان استمرارها أصبح غير مجدي… عندها يمكن فقط القول إنّ العقبة الخارجية قد ذلّلت من أمام تشكيل الحكومة بشروط لبنانية داخلية.. وسنجد ​باريس​ نشطت على خط تفعيل مبادرتها مع بعض التعديلات.

ثانياً، العقبة الداخلية، التي تأتي في المرتبة الثانية، وهي عملياً لها بعدان: بعد أول، مرتبط بالعقبة الخارجية، ايّ الفيتو الأميركي، تزول بمجرد رفع الفيتو المذكور على مشاركة حزب الله وحلفائه في السلطة التنفيذية..

وبعد ثاني، محلي، وله علاقة بالتجاذب بين الأطراف اللبنانية، حول نسب التمثيل وتوزيع الحقائب وخصوصاً السيادية والخدماتية منها..

هذه العقدة عادة ما كان يجري تذليلها من خلال عملية تدوير للزوايا ترضي جميع الأطراف، وتنتهي بإعلان الاتفاق وولادة الحكومة..

ما يحصل اليوم هو أننا لا زلنا في مرحلة عدم الوضوح لناحية ما إذا كانت إدارة بايدن قرّرت رفع الفيتو الأميركي أما لا، ولهذا نشهد استمرار العقدة المحلية.

من هنا فإنّ الانتقال العملي لإيجاد الحلول للعقدة المحلية، ينتظر تذليل العقدة الأميركية.. وفي هذه الاثناء فإنّ التجاذب السياسي وتقاذف الاتهامات حول من يتحمّل مسؤولية إعاقة الاتفاق على ​تأليف الحكومة​ سيبقى سيد الموقف… على أنّ المسؤولية هنا تقع بالدرجة الأولى على الرئيس المكلف المعني الأول بتطبيق ​الدستور​ واحترام أحجام ​الكتل النيابية​.. لأنّ تشكيل الحكومات، بعد ​اتفاق الطائف​، ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالاتفاق بين ​رئيس الجمهورية​ والرئيس المكلف على ​التشكيلة الحكومية​ المقترحة من جهة، واحترام التمثيل الحقيقي للكتل النيابية من جهة أخرى..

لذلك يمكن القول، انّ إصرار الرئيس الحريري على تشكيل حكومة مستقلين ترضي الخارج، يندرج في إطار واحد من احتمالين:

الاحتمال الأول، استمرار الضغط الأميركي السعودي لمحاولة استغلال المعاناة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، والناتجة عن تشديد الحصار المفروض، وربط تقديم ايّ ​مساعدات​ خارجية، بتأليف حكومة تستجيب للشروط الأميركية..

الاحتمال الثاني، تلمّس الرئيس الحريري، إشارة بتبدّل الموقف الأميركي، وبالتالي سعيه في اللحظة الأخيرة إلى محاولة تحسين شروطه بتشكيل حكومة يحصل فيها على حصة وازنة تفوق حجم تمثيله النيابي، لكون هذه الحكومة ستحظى بدعم مالي من الخارج، ما يحقق انفراجاً يخفف من حدة ​الأزمة​ المتفاقمة من ناحية، وستتولى الإشراف على ​الانتخابات النيابية​ والرئاسية المقبلة من ناحية ثانية…