منذ ما قبل خطاب رئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​، في الذكرى 16 لإغتيال والده رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، كان من الواضح أن مفاوضات ​تشكيل الحكومة​ العتيدة باتت في مكان بعيد جداً عن الوصول إلى أي نتيجة في وقت قريب، بسبب تداخل العديد من المعطيات المحلية والخارجية، الأمر الذي تُرجم بشكل واضح من خلال خطابه في الذكرى، ولاحقاً من خلال الردّ عليه الصادر عن مكتب الإعلام في ​رئاسة الجمهورية​.

هذا الواقع، دفع بالمراقبين إلى الذهاب بعيداً في الحديث عن حالة الإستعصاء التي تمر بها البلاد، لا سيما مع غياب القوى القادرة على إحداث خرق ما عن الواجهة، أو بالحدّ الأدنى عجزها عن القيام بهذا الأمر، في حين أنّ الظروف الإقليمية والدولية، بعد تسلم إدارة الرئيس الأميركي ​جو بايدن​ ​السلطة​، لم تتّضح بشكل جليّ بعد.

هذا الأمر ينطلق، من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، من فرضيّة غياب المخارج الدستوريّة القادرة على إيجاد الحلول المناسبة، فالتشكيلة المقدّمة من رئيس الحكومة المكلّف لا يمكن أن تبصر النور من دون إتّفاق مع رئيس الجمهوريّة، بسبب حاجتها إلى توقيعه عليها قبل إنتقالها إلى المجلس النّيابي لنيل الثّقة، بينما هو لا يبدو في وارد تقديم التنازلات أو الإقدام على الإعتذار لإعادة الكرة إلى ملعب ​المجلس النيابي​.

أساس المشكلة، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، يكمن في مكان آخر، يتعلّق برغبة كل من رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف في ​تحقيق​ أهداف أخرى، حيث بدأت بعض الأوساط السياسية بالحديث عن أن عون يربط تشكيل الحكومة برفع ​العقوبات الأميركية​ عن رئيس "​التيار الوطني الحر​ّ" النائب ​جبران باسيل​، بالتزامن مع حصولِه على الثلث المعطّل سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. بينما لدى الحريري مصالحه في ضمان الحصول على الغطاء السعودي قبل الإقدام على أيّ خطوة، وهو في هذا المجال يراهن على ما قد يقوم به الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ في زيارته المرتقبة إلى ​الرياض​.

في هذا الإطار، تشير هذه المصادر إلى أنّ ماكرون لن يحصل على ما يريد، خلال الزيارة المذكورة، نظراً إلى أنّ ​السعودية​ ليست بوارد التساهل حيال الملفّ ال​لبنان​ي في هذه المرحلة، حتى الآن، بالرغم من الإشارات الإيجابيّة التي كان ماكرون قد أرسلها لها في الفترة الماضية، خصوصاً لناحية دعوته إلى مشاركتها في أيّ مفاوضات جديدة مع ​إيران​ حول ملفّها النووي، في حين هو يواجه بالإنتقادات الإيرانية التي تتناول دوره في لبنان، بالإضافة إلى مواقفه المتعلقة بالملف النووي.

في هذا الإطار، ترى المصادر السّياسية المطّلعة أنّ الجانبين المعنيين بالملف الحكومي، أي رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، غير قادرين أو راغبين في تقديم التنازلات، فالأول لا يمكن له القيام بهذا الأمر في الحكومة التي من المفترض أن تكون الأخيرة في ولايته، نظراً إلى أنه سيمثل خسارة كبيرة توحي بنهاية العهد قبل عامين من الموعد الدستوري، بينما الثاني لم يعد لديه ما يقدّمه، سواء على المستوى الشعبي أو على مستوى العلاقة مع القوى الإقليميّة الحاضنة له، في ظلّ المنافسة الشرسة التي يتعرّض لها في ​البيئة​ السّنية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، إعتذار الحريري، في هذه المرحلة، قد لا يكون خطوة مفيدة، بالنظر إلى الدعم الذي يحظى به من قبل العديد من الأفرقاء المحليين، الذين هم على خصومة مع عون و"التيار الوطني الحر"، حيث أنّ أيّ إستشارات نيابيّة جديدة، في حال حصولها أو عدم تأجيلها من قبل ​رئيس الجمهورية​، قد تقود إلى إعادة ​تكليف​ه من جديد، أما بحال تكليف شخصية أخرى فإنها قد لا تكون قادرة على التأليف، وفي حال ألّفت قد لا تكون قادرة على الإنتاج بالشكل المطلوب.

في المحصّلة، الحلّ الأفضل، من وجهة نظر المصادر نفسها، هو إعادة تفعيل حكومة ​تصريف الأعمال​ برئاسة حسّان دياب، نظراً إلى أنّها قد تستمرّ طويلاً، ربما حتى نهاية عهد عون، نظراً إلى أنّ الظروف الإقليميّة والدوليّة قد لا يكون من المتوقع تبدّلها في وقت قريب بينما التوازنات الداخليّة ليس من السهل تجاوزها، وتلفت إلى أن هذا الأمر يتطلب قبل أي شيء آخر إقتناع دياب بهذا التوجّه، لأنّه حتى ​الساعة​ يرفض الأمر، ويحرص على تطبيق مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق جداً.