أتت زيارة رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ إلى الدوحة القطرية لافتة في شكلها ومضمونها، بعد عودة وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني من العاصمة الإيرانية. لم تكن مهمة وزير خارجية قطر في طهران مخصّصة للشأن اللبناني، لكن بيروت كانت عنواناً مدرجاً في لقاءات آل ثاني مع المسؤولين الإيرانيين.

يحاول القطريون لعب أدوار تسووية في أكثر من ملف عالق، وخصوصاً على خط واشنطن-طهران لإرتباط الدوحة بعلاقات مميزة مع الإدارة الأميركية الجديدة ووجود ثقة متبادلة بين المسؤولين الإيرانيين والقطريين. لكن مهمة آل ثاني على خط التفاوض غير المباشر بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية تواجه مطبّات أساسها أن طهران تشترط رفعاً فورياً للعقوبات الأميركية بحقها والعودة الى الإتفاق النووي الذي كانت وقّعته إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مع إيران، في وقت لا يُبدي فيه البيت الأبيض رغبة ببتّ الملف المذكور حالياً من دون نقاش عناوين ترتبط بالنفوذ الإيراني في الإقليم، خصوصاً أن هناك سؤالاً بدأ يتردد في واشنطن: ما هي الفوائد في تلبية شروط إيران؟ هناك ضغوط عربية وإسرائيلية وداخل الولايات المتحدة الأميركية فرملت إندفاعة الرئيس الأميركي ​جو بايدن​ نحو بت الملف النووي بشكل سريع. في وقت يعطي البيت الأبيض أولوية إهتماماته للملفات الداخلية الصحية والإقتصادية ومسار العلاقات مع الدول الكبرى، كالحلفاء الأوروبيين، وتأثير الصين على الإقتصاد والنفوذ الأميركي، ثم روسيا التي يشاكسها الأميركيون في ​أوكرانيا​ مجدداً.

بالمحصلة، يسعى القطريون لترتيب تسوية أميركية-إيرانية، لا يبدو أنها ستحقق سريعاً، فيما سحبت الدوحة غزة من معادلة المحور الذي تقوده إيران، ورسمت للقطاع مساراً إقتصادياً وسياسياً وضع حركة "الجهاد الإسلامي" في موضع المتفرّج بلا أي مشاركة مرتقبة في لعبة الإنتخابات والسلطة.

لكن هناك ساحات أخرى ترتبط بتحالف مع الإيرانيين ولا سيما اللبنانية والسورية. واذا كانت ​موسكو​ ترعى دمشق سياسياً وامنياً وإقتصادياً، بدليل ترتيب عملية تبادل اسرى بين السوريين والإسرائيليين، فماذا عن لبنان؟ جاء خطاب الأمين العام لحزب الله ​السيد حسن نصرالله​ الأخير ردعيّاً يؤكد أن دور الحزب مقاومٌ لأي إعتداء إسرائيلي وليس هجومياً لإفتعال حرب. مما يُبعد بيروت عن ساحات الرسائل النارية. لكن أزمة ​تأليف الحكومة​ اللبنانية باقية وتزداد تعقيداً، بشكل يُبقي لبنان في المساحات المتوترة للغاية. لذلك جاء تحرك القطريين للمساهمة في إبتكار حل لا يرتقي الى مستوى مؤتمر الدوحة الذي إنعقد منذ سنوات، لكنه يُنتج حكومة تسمح بمساعدة العواصم المعنية، وتُخفف من التوتر، وتسمح بفرض استقرار لبناني يساهم في فكفكة العُقد في المشهد الإقليمي العام.

بعد زيارة بيروت، ولقاءات طهران، حطّ الحريري في الدوحة لإستيضاح القطريين بشأن وساطتهم. تقول معلومات "النشرة"، إنّ رئيس الحكومة المكلّف الذي حاول تسويق رؤيته الحكومية في الإمارات العربية ومصر ومع الفرنسيين، وصل الى قناعة مفادها أن ​رئيس الجمهورية​ ميشال عون سيبقى متمسكاً برؤيته ولن يتنازل عن حقوق تحفظ مقام ​رئاسة الجمهورية​. لذلك توسّط مع القطريين على خطين: اولاً، الحصول عبرهم على ضوء أخضر أميركي لتقديم تنازل محتمل بما يخص شكل وجوهر ​التشكيلة الحكومية​. ثانياً، محاولة القطريين إقناع طهران للطلب من حليفها "حزب الله" ممارسة الضغوط على عون للقبول بشروط الحريري.

وفي الحالتين، تحاول الدوحة أن تلعب دوراً إيجابياً لإيجاد حل، لكن المطّلعين يقولون: الحل في لبنان وليس في أي عاصمة خارجية، لأن رئيس الجمهورية لن يقبل أبداً التنازل عن صلاحيات دستوريّة مهما كانت الضغوط او نوعية الوساطات.

وعليه، هل يبقى المخرج الوحيد للحريري هو فقط إنتظار زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى السعودية لإقناع الرياض الطلب من الحريري النزول عن شجرة شروطه؟ حتى الآن لا يبدو ان المملكة في وارد التدخل لا سلباً ولا إيجاباً مع الحريري، رغم عودة نشاط سفيرها في لبنان بعد غياب.