دخل الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ ​لبنان​ من مدخل الطوارئ كمنقذ ومسعف لهذا البلد المعذب بعدما اصيبت العاصمة ​بيروت​ برابع أضخم ​انفجار​ في تاريخ ​العالم​ مخلفاً دماراً هائلاً في الابنية والمناطق المحيطة بمرفئها اسفر عن سقوط ما يزيد عن 200 قتيل و 6000 جريح، وتشريد الاف الاسر التي اصبحت بلا مأوى.

الرئيس الفرنسي جال على المناطق المدمرة واستمع الى معاناة اللبنانيين واعداً اياهم بعدم تركهم في محنتهم وبتقديم المساعدة وايجاد سبل العون ومحاسبة المسؤولين الذين اوصلوا البلد الى هذا الدرك والمعاناة جراء ارتكابهم جرائم فساد بحق لبنان وبحق شعبه.

نجح الرئيس الفرنسي في جمع الاضداد اللبنانيين حول طاولة واحدة في قصر الصنوبر طارحاً عليهم مبادرة فرنسية تنص على تشكيل حكومة من وزراء اختصاصيين مستقلين من غير الحزبيين وذلك لضمان اجراء اصلاحات ضرورية وبنوية تسهم في وقف الهدر و​الفساد​ المستشري في ​الدولة​ ما يسمح بقبولها دولياً وتسهيل عقد ​مؤتمر​ دولي خاص بلبنان، من أجل الولوج بعملية انقاذ للبلد وفتح خزائن ​صندوق النقد​ و​البنك الدولي​ أمامه للاقتراض.

ومن دون الغوص في ​تفاصيل​ المبادرة الفرنسية التي صارت ممجوجة ومملة الى حد التقيؤ السياسي اليومي، فإن تشكيل حكومة لبنانية من اختصاصيين تلبية لبنود المبادرة لم يزل متعثراً وهنا لا بد لنا من طرح بعض الاسئلة وتسجيل الملاحظات التالية:

هل دخل ماكرون الى لبنان منقذاً ام حاكماً آمراً ؟

هل تشكل المبادرة الفرنسية عامل انقاذ فعلي ام عامل وصاية فعلية؟

كيف لمبادرة فرنسية أن تنجح وهي تفرض الالتزام بشخص معين او مكون سياسي معين لتنفيذها؟

لماذا تصر المبادرة الفرنسية على استبعاد واقصاء فريق سياسي معين عن بعض الوزارات،؟ ولماذا تصر ​فرنسا​ على شكل ​الحكومة​ المنوي تشكيلها وشخص رئيسها وعدد أعضائها وعلى توزير وزراء يحملون الجنسية الفرنسية لتعيينهم على رأس وزارات معينة والاحتفاظ بها.

ان مفهوم المبادرة وضمان نجاحها يكمن في خلوها من اي شروط مسبقة ويندرج في اطار تقريب وجهات نظر الاضداد المتباعدة وليس عبر وضع شروط تعجيزية تشكل عبئاً ثقيلاً مكبلاً، ثم ان المبادرة تعني تقديم اقتراح معين ممكن الاخذ به والالتزام به ومن الممكن رفضه طبقاً للمصلحة الوطنية، ومن الطبيعي ان يكون المقترح قابلاً للاخذ والرد والتعديل.

ان المبادرة بحد ذاتها هي عبارة عن مجموعة افكار بجري صياغتها بما يتناسب والمكونات السياسية في لبنان، وليس بترجمة افكار فريق معين دون سواه او لنصرة جهة سياسية على حساب الشريك في الوطن، ولذلك كان يجب على المبادرة اخذ المصلحة الوطنية المشتركة بين الاضداد بعين الاعتبار وتجنب محاباة مكون معين على حساب مكون آخر.

ان اي مبادرة لاتأخذ بعين الاعتبار مصلحة كل اللبنانيين هي محكومة بالفشل من اي جهة اتت.

اذا كانت المبادرة الفرنسية داعية لاجراء اصلاحات فعلية في بنية المؤسسة اللبنانية فالاجدى بها وبالقيمين عليها ترك مسألة تشكيل وشكل الحكومة لاصحاب الشأن اللبناني من دون اي شرط مسبق، والاجدى لفرنسا ومبادرتها الاقلاع عن دور المندوب السامي والتخلي عن دور الوصي واعتماد دور ناجع في مراقبة تنفيذ الاصلاحات المطلوبة لتطوير اداء المؤسسات الحكومية اللبنانية وتشجيع كل المسؤولين وملوك ​الطوائف​ على التنازل عن مبدأ التمسك بوزارات معينة لصالح طوائفهم والتخلي عن ​المحاصصة​ الطائفية والمذهبية المقيتة الموروثة من فرنسا نفسها بعدما اعتمدت في ميثاق 1943.

نقول:

ان الحل اللبناني المدموغ بصناعة لبنانية صرفة والمتمثل بوقف الحملات الاعلامية الممجوجة الغير مسؤولة بين الرئاساتين الاولى والثالثة والتخلي عن الكيدية السياسية المتبادلة ومؤازرة كل منها للاخر، وتحمل المسؤولية الوطنية وابداء المرونة اللازمة كل من طرفه من اجل المصلحة الوطنية العليا ولأجل النظر بجدية الى حال أبناء ​الشعب اللبناني​ المعذب الذين تبخرت مدخرات عمرهم بين ​المصارف​ كما تبخرت أحلامهم في حفظ حقوقهم الانسانية و العيش بكرامة في وطن اسمه لبنان.

ان الحل السليم و الناجع بين الرئاستين الاولى والثالثة يكمن في الاتفاق على ​تشكيلة حكومية​ عشرينية من "اختصاسيين" مكونة من 14 وزيراً كل في اختصاصه اضافة الى 6 وزراء يمثلون المكونات السياسية الفاعلة، اي الجمع بين الاختصاص والمكونات السياسية وذلك ضماناً لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة في المؤسسات الحكومية.

ان الشروط التي اطلقتها فرنسا بالاشتراك مع دول اقليمية ل​تشكيل الحكومة​ اطاحت بمعنى وبمفهوم المبادرة وبدل ان تشكل المنفذ المطلوب من نفق معلق اضحت شروط المبادرة الفرنسية معضلة حقيقية وشكلت عائقاً يكبّل تشكيل اية حكومة قادمة.