لم يتأخر الرئيس الاميركي الجديد ​جو بايدن​ في تركيز اهتمامه على المشاكل الداخلية التي تواجه بلاده ومواطنيه، والعمل في موازاة ذلك على محاولة محو صورة ​الولايات المتحدة​ التي تركها سلفه ​دونالد ترامب​ والتي ازعجت الكثيرين حول ​العالم​، وبالتحديد الحلفاء قبل الخصوم. ولكن، وفق ما يظهر حالياً، فإن ​الادارة الاميركية​ تواجه مشكلة دولية مهمة تتمثل في قيام جبهة روسية-صينية في مواجهتها، وبدل ان يعمل الرئيس الجديد على تخفيف حظوظ قيام مثل هذا التحالف، فإنّه يعمد الى تعزيزها وقد يرتدّ الامر سلباً عليه وعلى الوضع العام في المنطقة، او إعادتنا الى ​الحرب الباردة​ على اقل تقدير.

من الواضح ان بصمات الجهة العسكرية واضحة في هذا السياق، وهي كانت قائمة منذ ايام ترامب، غير ان العلاقة التي كانت تربط الرئيس الاميركي السابق بالرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ منعت تفاقم هذه الازمة، ولو انها وصلت الى بعض الاحيان الى حدود التوتر الخفيف لكنها لم تصل مطلقاً الى حدود خطيرة. يحاول بايدن، وعبره ​وزير الخارجية​ الجديد انطوني بلينكن، ارضاء الرأي العام الاميركي المناهض جداً للروس ولتوسيع نفوذهم، والذي لم يتقبّل ابداً رفض ترامب أي تدخل روسي في ​الانتخابات​ التي اوصلته الى ​البيت الابيض​، واي مسؤولية روسية عن هجمات الكترونية او مشاكل شهدتها ​اميركا​ في الفترة الاخيرة. غير ان معارضة الروس، يقابله ايضاً معارضة للصين، وهو امر يتفق عليه الرئيسان الاميركيان السابق والحالي لاسباب مختلفة، فترامب وجد في ​الصين​ عدواً خطيراً على الصعيد الاقتصادي، وحاول محاربتها بكل ما يملك من اسلحة في هذا المجال، فيما يحارب بايدن على الخط السياسي والدبلوماسي و​حقوق الانسان​ وغيرها، انطلاقاً من هدف الحدّ من السيطرة والتوسع للنفوذ الصيني في العالم. وفي عودة الى البصمات العسكرية الاميركية في هذا الشأن، فليس خفياً ان ​الجيش الاميركي​ لطالما اشتكى في السنوات الماضية من التقدم الهائل الذي يحققه البلدان المنافسان على الصعيد العسكري، وهذا ما حدا بترامب الى زيادة ميزانية ​البنتاغون​ وتخصيص دفعات مالية كبيرة لتجهيز الجيش الاميركي بأحدث انواع ​الاسلحة​ والعتاد لابقاء التوازن العسكري على حاله، ومنع كل من ​روسيا​ والصين من ​تحقيق​ تفوق يصعب اللحاق به، خصوصاً في ظل المشاكل الاقتصادية والمالية الصعبة التي تسبب بها وباء ​كورونا​، وتحديداً على الصعيد الاميركي اذ تجاهد الادارة الحاليّة لاعادة الوضع الى ما كان عليه قبل الجائحة، وهو امر ليس بالسهل في ظل ارتفاع اعداد الاصابات والوفيات والتي تؤثر سلباً على اعادة دوران العجلة الاقتصادية في البلاد، والحد من الخسائر وتفشّي ​البطالة​ ونسب النمو، وبالتالي سيكون من الصعب الاستمرار في اعطاء ميزانيات كبيرة ل​وزارة الدفاع​ لتواصل تطورها. وانطلاقاً مما سبق، قد تعمد الادارة الاميركية الى اعادة النظر في موقفها، بشكل يرضي الرأي العام الاميركي ويريح طلبات الجهات العسكرية من جهة، وعدم الوصول الى حدود المواجهة السياسية والدبلوماسية مع روسيا والصين والتخفيف من تقاربهما قدر الامكان لمنعهما من تشكيل حلف وثيق ينعكس مشكلة حقيقية بالنسبة الى عودة اميركا للساحة الدولية على اكثر من صعيد.

انه تحدّ حقيقي بالنسبة الى بايدن، الذي لن يمكنه الاعتماد كثيراً على وزير خارجيته المناهض اصلاً لهاتين الدولتين لاسباب عدة، ظهرت خلال مسيرته الدبلوماسية والسياسية، كما لا يمكن الاعتداد بما حصل ابان توليه منصب نائب الرئيس في عهد ​باراك اوباما​، لانّ الظروف تختلف جذرياً عمّا هي عليه اليوم، وستكون المخاطرة كبيرة بالاعتماد فقط على القارّة الاوروبيّة للمساعدة على مواجهة احتمال قيام مثل هذا الحلف الثنائي.