في وقت لا تزال فيه الدولة ال​لبنان​ية عاجزة عن تأمين ​اللقاح​ات المضادة ل​فيروس كورونا​ المستجد، التي تعتبر الحل الوحيد في مواجهة هذه الجائحة حتى الآن، بالأعداد الكافية التي تسمح بحماية المجتمع وعودة الحياة إلى طبيعتها، إستفاق ​اللبنانيون​ اليوم على فضيحة من العيار الثقيل، تؤكد بأن وقاحة المسؤولين في هذه الدولة لا حدود لها، حتى ولو كانوا يعملون تحت رقابة جهات دولية وضعت شروطاً مشدّدة، قد تلحق مخالفتها الضرر بجميع المواطنين وتهدد حياتهم.

في الوقت الذي ينتظر فيه معظم اللبنانيين، الذين سجلوا أسماءهم على المنصة المخصصة لذلك، دورهم لتلقي اللقاح، على أساس الأولويات التي كانت قد حددتها اللجنة الوطنية المختصة، ويشعرون، في ظل بطء عمليات وصول الجرعات، بالقلق على حياة ذويهم من كبار السن، بسبب حالة التفشي التي تشهدها البلاد، كان هناك مِن النواب مَن يبحث عن أي وسيلة لحماية نفسه، عن طريق سرقة جرعات من اللقاح، غير مهتم بأنه في هذه الحالة يأخذها من طريق من هو أكثر حاجة لها.

في أي دولة من الدول التي تحترم مواطنيها قد يكون هذا الأمر مستغرباً، لكن في لبنان كان منذ البداية متوقعاً، فهؤلاء ليس هناك ما يمنعهم من القيام بأي جريمة لحماية أنفسهم ومصالحهم، بدليل عدم قيامهم بدورهم في رعاية مصالح اللبنانيين وتجاهل عمليات السرقة و​الفساد​ التي قادت إلى إهداء جنى عمرهم، بالإضافة إلى تدمير نصف عاصمتهم في الإنفجار الذي وقع في ​مرفأ بيروت​ في الرابع من آب الماضي، من دون تجاهل تغاضيهم عن عملية التجويع التي يتعرض لها الشعب بأكمله وكأنهم يعيشون في كوكب آخر.

على وقع هذه الجريمة، خرج المدير الإقليمي لدائرة المشرق في مجموعة ​البنك الدولي​ ساروج كومار، في تعليق له عبر ​مواقع التواصل الإجتماعي​، ليهدد بوقف عملية تمويل اللقاحات، نظراً إلى أن ما حصل لا يتماشى مع الخطة الوطنية المتفق عليها مع البنك الدولي، ما يعني خطر توقف كل عملية الإستيراد وتهديد حياة غالبية اللبنانيين، وهو الأمر الذي من المفترض أن يدركه هؤلاء مسبقاً، إلا أنهم ربما ظنوا أن هذه الجريمة لن يعرف بها أحد، نظراً إلى أنهم لم يتوجهوا إلى مراكز التلقيح المعلنة، أو على الأرجح غير آبهين بالتداعيات طالما هم حصلوا على الجرعة.

أمام هذه الفضيحة، الكثير من الأسئلة تحضر في البال، تبدأ من الضمير الغائب عن هؤلاء ولا تنتهي بدور الجهات المعنية، على رأسها ​وزارة الصحة العامة​، خصوصاً بعد أن أكد رئيس اللجنة الوطنية ​عبد الرحمن البزري​ أن الموافقة على توجه اللقاح إلى ​مجلس النواب​ جاءت من الوزارة، فهل هذه هي الشفافية التي كان ​وزير الصحة​ ​حمد حسن​ في ​حكومة​ ​تصريف الأعمال​ وعد اللبنانيين بها، عندما "تفاخر" بـ"الإنجاز" الذي حققه؟.

أبعد من ذلك، هل لدى النواب الذين تلقوا اللقاح بهذه الطريقة "المافياوية" الجرأة التي تدفعهم إلى تقديم إستقالاتهم اليوم قبل الغد، إحتراماَ لمشاعر اللبنانيين، كما يفعل المسؤولون في الدول التي تحترم نفسها لأسباب أتفه من ذلك؟ الأرجح أنهم لن يقدموا على أي خطوة، مراهنين على نسيان جريمتهم بعد أيام، إلا أن ذلك لن يلغي فظاعتها.