يرتفع أحياناً منسوب التوتر السياسي في لبنان بين القوى المقتنعة بمشاريع متنوعة، وهذا ما يحصل اليوم على وقع غياب الحديث عن ​تشكيل الحكومة​، وكل ذلك يترافق مع المزيد من الإنهيارات الإقتصادية وجنون في أسعار المحروقات، وتفلّت في سعر الدولار، وارتفاع في حدّة الخطاب الطائفي.

على وقع زيادة منسوب التوتر الطائفي في البلاد، لا سيما بعد المواقف التي اطلقها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والردّ الذي تعرض له من قبل "​التيار الوطني الحر​"، زار وفد من كتلة "المستقبل" النيابية مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان أمس، الأمر الذي فُسِّر على أساس أن الحريري يريد تأمين الحصانة الطائفية لمواقفه، وبالتالي التأكيد على أنه يحظى بدعم المرجعية السنية الدينية الأولى في لبنان، بالتزامن مع سعيه إلى تأمين المظلة الخارجية من خلال الجولات التي يقوم بها على عدد من العواصم الإقليمية والدولية.

في هذا السياق، ترى مصادر مطّلعة عبر "النشرة" أن رئيس الحكومة المكلّف يريد من خلال هذه الخطوة التأكيد على أنه يحظى بغطاء ​دار الفتوى​ أكثر من إستغلال موقع مفتي الجمهورية في إطار مواجهة طائفية مع "التيار الوطني الحر"، نظراً إلى أنّه يحظى بعلاقة جيدة مع المرجعية الدينية المارونية الأولى، أي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وبالتالي لا يحتاج إلى تحصين نفسه للدخول في مثل هكذا مواجهة لن تكون رابحة له.

وترجّح هذه المصادر أن يكون الهدف من هذه الخطوة هو الساحة السنّية أولاً وأخيراً، إلا إذا كانت ستستتبع بجولات على باقي المرجعيات الدينيّة في البلد، نظراً إلى أنه في هذه الحال سيكون الهدف تأمين أوسع غطاء محلي له، لا يمكن أن يقوم به من خلال جولة على القوى السياسية الفاعلة، نظراً إلى أنها قد تفسر بطريقة أخرى، مع العلم أنه محرج مع معظمها.

بالمقابل، لا يمكن عدم التوقف عند حجّ القوى السياسية المسيحيّة إلى ​بكركي​، ولو أن لكل منها أهدافه الخاصة، إذ أن هدف كتلة ​الجمهورية القوية​ هو الإستفادة من زخم مطلب البطريرك الماروني بشأن الرعاية الدولية، للهجوم على التيار الوطني الحر، حليف ​حزب الله​، و"القوات" لن توقف سعيها عند حدّ الزيارة، بل ستكون لها صولات شعبية في بكركي نهاية الأسبوع.

أما تكتل "لبنان القوي" الذي زار البطريرك أمس أيضاً، فله أهدافه، أهمها بحسب المصادر، هو "الوضوح" مع الراعي في كل المواقف، لمنع أحد، وتحديداً "​القوات اللبنانية​"، من محاولة خلق نزاع بينه وبين البطريرك الماروني.

وتكشف المصادر عبر "النشرة" أن الزيارة كانت ناجحة، حيث كان التشاور مع الراعي شاملاً، في السياسة والملف الحكومي، وصولاً إلى مسألة الدعوة إلى التدويل، وخوف التيار الوطني الحر من إمكانية أن يكون هذا الأمر على حساب المسيحيين في لبنان، مشيرة إلى أن رئيس "الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​ اتّصل بالراعي قبل وصول الوفد النيابي، لإبلاغه بأسباب عدم ترؤسه الوفد، وكي لا يتمّ استغلال مسألة عدم وجوده في غير مكانها.

إذاً، تحاول القوى السياسية الإلتصاق بالمرجعيات الدينية لتبادل الرسائل وربما الحصول على الدعم في الساحات الداخلية، فهل تكون هذه الزيارات سبباً لتصعيد طائفي، أم العكس؟.