من المَعلوم أنّ الملف النووي ال​إيران​ي هو الملفّ الأهمّ ضمن الملفّات الإقليميّة المُتعدّدة والتي تشمل الحرب في كلّ من ​سوريا​ واليمن، والوضع في كل من ​العراق​ وليبيا، والملفّ الفلسطيني، والملفّ ال​لبنان​ي، إلخ. وبالتالي، إنّ حلّه سينعكس إيجابًا على الكثير من قضايا المنطقة العالقة، والعكس صحيح! فهل نحن نتجه نحو الحلّ، أم أنّ ما نسمعه من تهديدات عالية السقف، وما يتردّد عن إستعدادات عسكريّة مُتبادلة، هو بداية لمرحلة صعبة تنتظر الإقليم، ولبنان لن يكون بمَأمِن منها؟!.

بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه على الرغم من قول المُتحدث بإسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة نيد برايس، إنّ لصبر الإدارة الأميركيّة إزاء الموقف الإيراني من الملفّ النووي، حدودًا، فإنّه حرص على التشديد على أنّ "أكثر السُبل فعاليّة لضمان عدم حيازة إيران لسلاح نووي هي الدبلوماسيّة"، ما يُؤكّد ثبات المَوقف الأميركي إزاء هذا الملفّ منذ سنوات طويلة. في المُقابل، وعلى الرغم من أنّ طهران إعتمدت خلال الأسابيع القليلة الماضية سلسلة من الخطوات التصعيديّة، لجهة رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، وعرقلة عمليّات تفتيش المُراقبين الدَوليّين، ومنح واشنطن حتى 23 شباط الحالي لرفع العُقوبات، فإنّ مَضمون العديد من التصاريح الإيرانيّة المُتفرّقة يتمحور حول إستعداد إيران للعودة إلى الإتفاق النووي، لكن بشرط عدم إدخال أي تعديلات عليه، أو إعادة التفاوض بشأن بنوده. وليس بسرّ أنّ دول ​الإتحاد الأوروبي​ دخلت على الخطّ بقُوّة بين واشنطن وطهران للعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين، مع سعي حثيث من جانب الأوروبيّين لجلب الأميركيّين والإيرانيّين إلى طاولة المفاوضات مُجدّدًا.

وبحسب أغلبيّة التحاليل الغربيّة المُختصّة ب​الشرق الأوسط​، إنّ ما يحصل بين واشنطن وطهران حاليًا هو عبارة عن رفع سُقوف التفاوض، تمهيدًا للشروع في تقديم التنازلات تباعًا عند عودة المُفاوضات، للتوصّل إلى تسوية جديدة بعد حين. وأضافت هذه التحاليل أنّ الجانب الأوروبي سينجح في نهاية المطاف في تمهيد الطريق لهذه التسوية بين الأميركيّين والإيرانيّين، لكنّ المسألة قد تستغرق أشهرًا طويلة، لأنّ الملف ​النووي الإيراني​ ليس مَعزولاً عن باقي ملفّات المنطقة. وتابعت هذه التحاليل أنّ هناك مُحاولات من ​إسرائيل​ لإقناع الأميركيّين لتضمين أيّ إتفاق جديد مع إيران، ملف الوجود الإيراني العسكري في سوريا، وملف الصواريخ الإيرانيّة الباليستيّة وتلك الدقيقة والتي باتت تُحيط إسرائيل من كل حدب وصوب، وملف سلاح "​حزب الله​"، وملف الدعم الإيراني لبعض الفصائل الفلسطينيّة في غزّة. وهناك أيضًا محاولات عربيّة وخليجيّة بالتحديد، لإقناع الأميركيّين بضرورة تضمين أي إتفاق جديد مع إيران، حلاً نهائيًا للملفّ اليمني وللصواريخ التي تستهدف المملكة العربيّة السُعودية من اليمن، وحلاً للإنفلاش الإيراني الأمني والإستخباري والسياسي في كل من اليمن والبحرين وسوريا ولبنان. ورأت التحاليل الغربيّة أنّ إيران تتمسّك بمنطق رفع العقوبات الأميركيّة في مقابل عودتها إلى الإلتزام بكامل بنود الإتفاق النووي الذي كان قد جرى توقيعه في العام 2015، لأنّها لا تريد تقديم أيّ تنازل في كلّ هذه الملفّات والمواضيع المذكورة أعلاه، وذلك للإحتفاظ بكل المُكتسبات التي حقّقتها ميدانيًا خلال العقد الأخير، والتي جاءت على حساب تدهور إقتصادها وعملتها ومُستوى معيشة مواطنيها.

وسط هذه الأجواء، ليس بسرّ أنّ إسرائيل المَعنيّة الأولى بتطوّرات الملفّ النووي الإيراني، تعمل حاليًا عبر قنواتها الدبلوماسيّة على إقناع الإدارة الأميركيّة الجديدة برئاسة ​جو بايدن​، بعدم تكرار ما تعتبره خطأ إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي وقّع إتفاقًا في صالح إيران، الأمر الذي سمح لهذه الأخيرة بالتمدّد في مختلف منطقة الشرق الأوسط، وبتعزيز نُفوذها الإقليمي بشكل كبير، سياسيًا والأخطر أمنيًا. وبحسب الكثير من المُحلّلين الغربيّين، إنّ العلاقات الحاليّة بين تل أبيب وواشنطن، مُتوتّرة قليلاً خلف الكواليس، بسبب تباين في وجهات النظر بين الطرفين إزاء الملف الإيراني. وبحسب تقارير غربيّة مُتقاطعة، إنّ إسرائيل التي نفّذت في المرحلة الأخيرة سلسلة من المُناورات العسكريّة للقتال على أكثر من جبهة، مع لبنان ومع سوريا ومع الأراضي الفلسطينيّة، وحتى للتعامل مع هجمات صاروخيّة تتعرّض لها من دول بعيدة عن حدودها، أعادت إحياء خُططًا عسكريّة تتضمّن خريطة طريق لضرب القُدرات النوويّة الإيرانيّة. إشارة إلى أنّ منع إيران من إمتلاك ​السلاح النووي​ يُشكّل قضيّة حياة أو موت للإسرائيليّين، لكن وبما أنّ إسرائيل ليست بوارد ضرب إيران في عقر دارها، إلا كخيار أخير لا بديل له-حتى لو كلّفها هذا الأمر الدُخول في حرب كُبرى، فإنّها قد تلجأ إلى توجيه رسائل أمنيّة تحذيريّة لإيران، عبر تكثيف الضربات ضُدّها في سوريا، وضُدّ الجماعات المُسلّحة والمُموّلة من جانب إيران، أينما وُجٍدت.

وهذا الأمر يضعنا في لبنان في موقع حسّاس جدًا، حيث أنّ إسرائيل التي نفّذت في وقت سابق من الشهر الحالي، مُناورة عسكريّة واسعة تُحاكي عمليّات قتاليّة لأيّام عدّة ضُد مُقاتلي "حزب الله"، قد تستغلّ أي إستهداف لطائراتها المُسيّرة أو أي عمليّة حُدوديّة ضُدّ أيّ من عسكريّيها، لفتح مُواجهة مع "حزب الله"، وذلك لإرسال رسالة مزدوجة إلى واشنطن أوّلاً لجهة ضرورة أن تأخذ الإدارة الأميركيّة المصالح الإسرائيليّة في الحسبان في أي تسوية جديدة مع إيران، وإلى طهران ثانيًا لجهة أنّ إسرائيل مُستعدّة لوضع الخيار العسكري على الطاولة، ما لم تلتزم إيران بالعودة إلى الإتفاق النووي.

والسؤال الذي يفرض نفسه في الختام، هو: من يضمن أنّ أيّ عُدوان عسكريّ إسرائيليّ في لبنان، على غرار الهجمات التي تُنفذها في سوريا، لن يتدحرج ليتحوّل إلى معركة كبرى مع "حزب الله"، وربما مع قوى أخرى ستدخل على الخط أيضًا، ضُمن المحور الإيراني المُتكامل؟!.