إذا كانت رسالة رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ إلى رئيس حكومة روسيا الإتحادية تتعلق فقط بموضوع طلب إحضار لقاح سبوتنيك 5 المخصّص لمكافحة فايروس كورونا كي يستخدمه اللبنانيون، أو في حال كانت الرسالة الزرقاء هي إشارة تتعلق بالتنسيق السياسي المفتوح بين الحريري والروس، فإنها تؤكد على حجم العلاقة الودّية بينه وموسكو، التي أوحت في كل المناسبات أنها تدعم رئيس تيار "المستقبل"، رغم تأكيد حرصها الإنفتاح على كل القوى السياسية في لبنان، وهو ما يفعله سفيرها في بيروت.

سبق أن إلتقى الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ الحريري أكثر من مرة، لتتبع اللقاءات مؤشرات إحتضان رئيس التيار الأزرق في لبنان، من دون ان تُقدم موسكو على السير بخطوات عملانية في بيروت حفاظاً على موازين القوى فيه، إضافة إلى حسابات مرتبطة بالداخل اللبناني والإقليم والغرب.

أولاً، إذا نجح الحريري في إستحضار ​اللقاح​ الروسي الذي هو موضع ثقة شعبية لبنانية، فيكون رئيس الحكومة المكلّف قد سجّل نقاطاً بالجملة في مرمى السلطة التنفيذية الحالية. إن عجز حكومة ​تصريف الأعمال​ برئيسها ووزرائها عن تأمين اللقاحات هو الذي دفع الحريري للتصرف. حسناً فعل الحريري، بعدما إستفحل أمر التقصير بتأمين اللقاحات المطلوبة، حتى صار الشعب يعترض على عشرة لقاحات ل​رئاسة الجمهورية​، أو ١٦ لقاح لنواب. المشكلة ليست بتلقي رئاسة البلاد عشرة لقاحات لا غير، ولا بتطعيم عدد من النواب، ولا بطريقة التوزيع التي تعتمدها ​وزارة الصحة​، ولا بإعتراضات اللجنة المخصصة متابعة فايروس كورونا التي صار بعض أعضائها يستعرضون إعلامياً كأنهم يخوضون حملات انتخابية، بل إن ​الأزمة​ الحقيقية هي بعدم القدرة على تأمين لقاحات كافية لكبار السن والمرضى المحتاجين لأخذ اللقاحات من دون تأخير.

لذا، يمكن تصنيف جهد الحريري في حال نجح في هذا الإتجاه، بأنه يملأ فراغ السلطة التنفيذية التي أصبحت عبئاً على اللبنانيين.

فكيف ستتعاطى موسكو مع طلبات الحريري، سواء كانت محصورة بطلب لقاح سبوتنيك، أو ضمّت عناوين أوسع حول دعم لبنان؟.

لم يترك المسؤولون الروس مناسبة إلاّ وعبّروا خلالها عن الوقوف الى جانب لبنان، لكن من دون فاعلية عملانية مباشرة. حان الآن وقت التقدم الروسي خطوات نحو الجمهورية اللبنانية، أولاً إنطلاقاً من المصلحة الروسية التي تتواجد في سوريا، ثانياً بسبب غياب الإهتمام الدولي والعربي التقليدي بلبنان، ثالثاً لمنع إهتزاز الإستقرار النسبي القائم على مساحة الجمهورية اللبنانية، فإذا حلّت المخاطر فيها، ستتوسع التداعيات نحو سوريا مجدداً، بعدما نسف السوريون بمؤازرة حلفائهم، ومن بينهم الروس، كل خطوط التواصل بين مجموعات متطرفة تمتد من لبنان إلى سوريا.

لكن موسكو تدرك ان لبنان بلد يحتاج إلى رافعة مالية لا تريد ولا تقدر أن تؤمنها روسيا، لا سابقاً ولا حالياً. لذا، يقلّل المطّلعون من أهمية الإندفاعة الروسية تجاه بيروت، لأنها ستبقى في إطار الدعم المعنوي لا غير. الاّ إذا أراد الروس أن يزوّدوا لبنان بلقاحات سبوتنيك، تلبية لطلب الحريري، كتعبير عن حُسن النيّة لترسيخ الترابط الروسي اللبناني.

فلننتظر لحسم القراءة في هذا الإتجاه، وإن كانت كل المعطيات توحي بأنّ موسكو إتخذت قرار عدم ترك لبنان من دون مؤازرة سياسية. ومن هنا تأتي مؤشرات الإتصالات المفتوحة التي يجريها نائب ​وزير الخارجية​ الروسية ​ميخائيل بوغدانوف​ مع مسؤولين لبنانيين، كان آخرها مع رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، في وقت يتحضّر فيه رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​ لزيارة موسكو.

كلما غاب الإهتمام الدولي، الغربي تحديداً والأميركي خصوصاً، عن هذا البلد، كلما تقدّمت الخطوات الروسية تجاه لبنان، في زمن الإنشغالات الإقليمية والدولية.

وإذا كان السجال السياسي يدور ضمنياً حول دعوة ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ بشأن الرعاية الدولية لحل الأزمة اللبنانية، فإن لا رفض ولا إعتراض من أي فريق لبناني حول الدور الروسي، الذي يكتمل عقده ويحقق اهدافاً نبيلة في حال نال دعماً عربياً، تحديداً من مصر والإمارات وسوريا بغياب ​السعودية​ المشغولة بتطوراتها في الداخل وبمستجدات العلاقة المتوترة ب​الإدارة الأميركية​ الجديدة.