على وقع الإنهيار المستمر في سعر صرف الليرة ال​لبنان​ية مقابل ​الدولار​ الأميركي، تشهد الرواتب المزيد من التراجع في قيمتها، حتى بات لبنان في مرتبة متدنّية جداً قياساً مع الكثير من الدول ذات المستوى المعيشي المشابه للبنان أو الأقل منه، بينما الحد الأدنى للأجور يساوي 72 دولاراً.

وحسب دراسة قامت بها "​الدولية للمعلومات​"، يمثّل التراجع ما نسبته 84 بالمئة من قيمة الحدّ الأدنى للأجور، بعد أن كان يوازي نحو 450 دولاراً. وكنتيجة للتراجع، فقدت الرواتب في القطاعين العام والخاص قيمتها. وبات موظف برتبة مدير عام من الدرجة الأولى، يتقاضى نحو 478 دولاراً بعد أن كان راتبه يساوي نحو 3000 دولار.

هذا الواقع، يدفع بالكثيرين السؤال عن الأسباب التي تحول دون ​تصحيح الأجور​ بالتوازي مع الإنهيار الحاصل في قيمتها، لا سيما أن المواطن اللبناني يدفع ثمناً باهظاً لهذا الواقع، إلا أن الباحث في الدولية للمعلومات ​محمد شمس الدين​ يعتبر، في حديث لـ"النشرة"، أنه لا يمكن طرح هذا الموضوع بأي شكل من الأشكال، نظراً إلى أن أي ضخ جديد لليرة في السوق سيؤدي إلى إرتفاع ​سعر الدولار​، بينما ​القطاع الخاص​ غير قادر على ذلك.

ويوضح شمس الدين أنه عند تصحيح الأجور من المفترض أن توازي النسبة نسبة التضخم الحاصل، لكنه يشير إلى أنه حتى لو كان القرار بأن يكون التصحيح بنسبة 25% فقط فإن التداعيات ستكون كبيرة، وبالتالي أيّ حديث من هذا النوع سيكون شعبويا وعشوائيا يقود إلى المزيد من الإنهيار، ويعتبر أن الحل يكون عبر دعم الليرة لا السلع، لأنّ المطلوب دعم سلعة ثابتة لا الإستهلاك.

من وجهة نظر شمس الدين، الإحتياطي الإلزامي لا يمكن المسّ به لدعم السلع، لكن يمكن أن يعمد ​المصرف المركزي​ إلى تزويد ​المصارف​ بمليار دولار شهرياً، على أن يتمكن المودعون من سحب 500 دولار شهرياً بالحد الأدنى، الأمر الذي يقود إلى خفض سعر الصرف وأسعار السلع وإستعادة الرواتب لجزء من قيمتها، ويضيف: "بالمبدأ نحن ضد دولرة ​الإقتصاد​ لكن هذه الخطوة مطلوبة اليوم، وهي قد تقود إلى تحريك المبالغ الموجودة في المنازل أيضاً".

من جانبه، يؤكّد رئيس الإتحاد العمّالي العام ​بشارة الأسمر​، في حديث لـ"النشرة"، ضرورة أن يرفع الإتحاد لواء هذه المطالب، ويشير إلى أن الموضوع يحتاج إلى حد أدنى من الإستقرار النقدي، في حين أن الإنهيار المالي والإقتصادي يتفاقم يوماً بعد آخر، ويلفت إلى وجود قطاعات إستفادت من الواقع الراهن يمكن لها أن تقوم بذلك، كقطاعات ​المحروقات​ والسلع الغذائيّة والمصارف على سبيل المثال، بينما هناك قطاعات شبه مفلسة كالقطاع التجاري.

وفي حين يوضح الأسمر أنّ الإتحاد لديه رؤيته الخاصة بهذا الموضوع، التي سيتحدث عنها خلال الأيام المقبلة، يشدّد على أنّ الأمر يجب أن يكون على ضوء حوارات وتفاهمات مع المعنيين، ويلفت إلى أن الهم يجب أن يكون بالحفاظ على إستمرارية العمل وزيادة الأجور حيث القدرة على زيادتها، ويضيف: "المطلوب اليوم قبل أيّ أمر آخر وجود ​السلطة​ القادرة على رعاية التفاهمات والحوار مع أفرقاء الإنتاج، أي ​حكومة​ قادرة على معالجة الوضع السيء عبر سياسات متكاملة".

في المحصلة، الكارثة مستمرة بإنتظار الفرج الذي لا يبدو قريبا، في ظل حالة المراوحة القائمة على المستوى السياسي. وبعد أن كانت المطالبة، قبل بدء الإنهيار، برفع الحد الأدنى للأجور إلى ما يقارب 1000 دولار، بات الوصول إلى ربع هذا المبلغ في الوقت الحالي أشبه بالحلم.