يبدو أن الأمور في ​لبنان​ بمختلف مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ذاهبة في اتجاه الانهيار الكبير، فيما الطبقة السياسية غارقة في الخلافات حول جنس ملائكة ​الحكومة​ التي مهما كان لونها وحجمها وكونها لن تكون قادرة على إعادة عقارب ​الساعة​ الاقتصادية والنقدية إلى الوراء، أو التخفيف من حدة هذه ​الأزمة​ التي سبقت مسألة ​تأليف الحكومة​ بأشواط كبيرة.

وتفيد كل المعطيات والمؤشرات المحلية والخارجية بأن أفق تأليف الحكومة مؤصد بالكامل، وأن حالة المراوحة ستستوطن الساحة السياسية إلى أجل غير معلوم، حيث أن غالبية الخطوط مقطوعة، وبالتالي فإن تبادل الأفكار ووضع الاقتراحات لا مكانة لهما في الوقت الراهن لإخراج الازمة الحكومية من الهوة الكبيرة التي سقطت فيها بفعل الشروط والشروط المضادة وسلوك المسؤولين السياسيين طريق نصب الكمائن وتبادل الفيتوات.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل بإمكان لبنان تحمل وزر هذه الأزمات التي تعصف به مُـدّة طويلة؟ والجواب أن هذا البلد استنفد كل ما لديه ووصل إلى شفير الهاوية، فيما أهله يقفون مكتوفي الأيدي غير مكترثين لما يجري، وفي المقابل فإن الخارج منغمس بمشاكله وأوضاعه التي تدهورت بفعل الصراعات المتشعبة وتداعيات ​فيروس كورونا​ الذي أصاب ​الاقتصاد العالمي​ بضربة على الرأس لن يكون في مقدوره التعاطي فيها في وقت قريب.

وفي ظل الكباش السياسي الجاري حول عملية تأليف الحكومة والارباك الحاصل في مواجهة فيروس كورونا، والتلكؤ المدوي في وقف التدهور الاقتصادي، برز إلى الساحة جدل بزنطي حول مسألة الحياد الذي إنقسم النّاس حوله، فمنهم من يعتبره خشبة الخلاص، ومنهم من يرى فيه احتلالاً دولياً مقنَّعاً، بغض النظر عن رفض طريقة الطرح الذي يحتاج إلى نقاش وفير على طاولة حوار وليس عبر المنابر والمهرجانات كون أن هذه المسألة تحتاج إلى إجماع لبناني وقبول دولي وإقليمي خصوصاً وأن الدول المحيطة، وهذه العوامل غير متوفرة وأن تجاهلها إما يؤدي إلى ازدياد في الشرخ القائم بين اللبنانيين ويزيد ألطين بلة على المستوى السياسي الذي يحتاج في هذه المرحلة إلى الروية والهدوء بعيداً عن أي استفزاز يُشكّل الباب الذي ربما يدخل منه من يريد بلبنان السوء لبعثرة داخله وإحداث حالة إرباك فيه لا تستفيد منها الا ​إسرائيل​.

لإعلان الحرب على ​الفساد​ والمفسدين قبل الإعلان عن طروحات لن تُكتب لها ​الحياة

وربَّ من يسأل كيف يُطرح اقتراح على هذا المستوى فيما الخلافات تعصف بين القوى السياسية حول عملية تأليف الحكومة،فهذا إن دل على شيء فإنه يدل على ان مقترح الحياد لم يكن في وقته ،لأن مثل هذا الطرح يحتاج إلى بيئة لبنانية واسعة تحصّنه وتحضنه وتجعله قابلاً للحياة، ناهيك عن وجوب قبول الخارج به قبل الداخل وهو غير ممكن في ظل الظروف التي يعيشها لبنان، وهذا يوجب على الجميع وضع هذا الأمر جانباً بغض النظر عن ايجابياته وسلبياته والذهاب في اتجاه ترتيب البيت الداخلي وتحصينه في مواجهة الرياح العاتية التي من الممكن أن تضربه في أي وقت ما أن تنضج أي تسوية في المنطقة وتحتاج إلى من يكون كبش المحرقة، قبل الدخول في بازار الخلاف حول طرح من الممكن تأجيل البت فيه ريثما تسمح الظروف المحلية والخارجية بذلك، كون أن طرح التدويل أو ما يسمى بالحياد دون تأمين العوامل الضرورية لذلك سيكون له تداعيات خطيرة على الوضع اللبناني، وربما يؤدي إلى رفع منسوب التوتر الذي قد يتجاوز الساحة السياسية إلى الشارع،فأي استحقاق مهما كان حجمه في لبنان يحتاج إلى توافق وتفاهم بين اللبنانيين، فكيف الحال بهذا الطرح الذي ترفضه شريحة واسعة من اللبنانيين من مختلف طوائفهم ومشاربهم السياسية.

وفي هذا السياق أعربت مصادر سياسية متابعة عن استهجانها لما قامت به ​بكركي​ على صعيد طرح يطال مسألة الحرب والسلم أو الحياد الذي يعني ​السلام​ مع إسرائيل وإن بشكل غير مباشر، في الوقت الذي يتوجّب فيه على الجميع اعلان المعركة على الفساد والمفسدين ووقف الهدر والإنهيار، ومواجهة الفيروس القاتل الذي يفتك باللبنانيين؟ وتقول هذه المصادر أن أولوية تأليف الحكومة والشروع في الاصلاحات ووقف الهدر والفساد يجب أن تتقدم على ما عداها من مواضيع، وأي طرح آخر في هذا الوقت لا يصب في خانة العمل على انتشال لبنان من أزماته بل يأتي في سياق زيادة الأمور تعقيداً، لأن أي طرح أو موقف لا ينال تأييداً واسعاً من اللبنانيين لن يكتب له الحياة، لا بل إنه يرفع من منسوب الاحتقان الذي هو في الأصل موجود، إن على المستوى السياسي أو في الشارع الذي تشعله أي شرارة تأتي من هنا أو هناك.

وفي اعتقاد هذه المصادر ان ملف التأليف ربما يبقى على رف الانتظار مُـدّة ليست بقصيرة ومردّ ذلك في تقديرها يعود إلى الثقة التي أصبحت مفقودة بالكامل بين ​رئيس الجمهورية​ والرئيس المكلف، ومعالجة هذه المسألة الضرورية والجوهرية تحتاج إلى تدخلات استثنائية من جهات فاعلة إن في الداخل أو على مستوى الإقليم، وقد أظهر التراشق الكلامي الذي حصل بين الفريقين في الأيام الماضية ان الهوّة الموجودة بينهما آخذة بالاتساع، وإن ردمها بات يحتاج إلى معجزة وهو ما يبعث على القلق من أن يكون أمد التأليف طويلاً في الوقت الذي أحوج ما يكون له لبنان وجود حكومة مكتملة الأوصاف تشرع في تنفيذ رزمة الإصلاحات التي يطالب بها ​المجتمع الدولي​ كمقدمة لكي يمد يده إلى جيبه ويبدأ بتقديم المساعدات للبنان.