للمرة الأولى، لم أتذمّر من ​قطع طريق​، رغم الضرر الذي تُحدثه هذه الظاهرة بكل أشكالها المباشرة وغير المباشرة، سواء بالتأثير على صحّة الناس جرّاء تلوّث يسبّبه دخان الإطارات المُشتعلة، أو نتيجة تداعيات تقطيع شرايين البلد إقتصادياً وامنياً. لكن، ماذا يملك المواطن من وسائل للتعبير عن سخطه؟ لا يستطيع أن يعبّر حالياً، الاّ من خلال خطوتين: إفتراضية عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وعملية عبر إحتجاجات و​قطع طرق​، في وقت تتزايد فيه مساحات القلق المصيري عند ال​لبنان​يين كافة، وهم لا يرون غير المجهول.

بالتأكيد هناك أجندات سياسية تسعى لتوظيف الإحتجاجات، كما تجهد شخصيات لقيادة ​الحراك الشعبي​ منذ إنطلاقته في ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، لكنهم سيفشلون بإتجاهين، لإعتبارات لها علاقة بطبيعة النظام السياسي الطائفي وتركيبة البلد العرجاء.

هل يبقى لبنان يدور في دوّامة الإحتجاج الشعبي والتوظيف السياسي وعدم تحمّل ​السلطة​ مسؤولياتها؟. سينزلق البلد نحو الإنفجار الشامل، في حال بقي الإستعصاء السياسي قائماً من دون وجود مخارج تسووية. أقلّه، يمكن إستحضار حجم تداعيات فقدان قيمة العملة الوطنية أمام ​الدولار​. وبدل أن يرتقي المسؤولون إلى معالجة مكامن ​الأزمة​ ب​تأليف​ ​حكومة​ تضع برنامجاً إنقاذياً، تغرق تصرفاتهم اليومية ب​تفاصيل​ فولكلورية، كتوقيف صيارفة، أو رمي أسباب الأزمة على حائط صفحة إفتراضية، رغم تأثير هذين العاملين على أسعار صرف ​الليرة​ أمام العملات الأجنبية. غير أنّ حلّ جوهر الأزمة ليس هنا.

إنّنا أمام كارثة وطنية، بعدما تدحرجت قيمة رواتب الموظفين والعسكريين و​الأمن​يين: لا تتجاوز قيمة الراتب لبعضهم ٧٠ دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء الواقعية، في بلد لا وجود فيه لوسائل ​النقل العام​ المُشترك، كسائر دول ​العالم​ الراقية والمتواضعة، مما يزيد من حجم المصاريف اليومية والشهرية. ومن هنا جاءت صرخة قائد الجيش العماد ​جوزاف عون​ ليعبّر عن سخط كل مواطن لبناني. لم يتحدث قائد ​المؤسسة العسكرية​ عن ضباط ورتباء وعناصر ​الجيش اللبناني​ فحسب، بل تكلّم بلسان كل مواطن لبناني. هو تحدّث عن خوف على الكيان اللبناني، وهو ما يشكّل هاجساً شعبياً. لذا، تفاعل المواطنون مع تحذيرات ​العماد جوزاف عون​، بما يشبه الإلتفاف الشعبي الوطني حول رأس المؤسسة العسكرية التي تحظى بتقدير وإحترام جميع اللبنانيين. دقّ جوزاف عون ناقوس الخطر، فمن سيسمع؟!

تشير المؤشرات إلى أن الأيام القليلة المقبلة ستكون مفصلية: في حال لم تنجح المنظومة السياسية بتأليف حكومة، فإن البلد سيُكمل الإنزلاق نحو الفوضى، ولن يعود الحراك أو الإحتجاج مقتصراً على مناطق محدّدة، ولا يحظى فقط بدعم فريق بعينه، دون إحتضان آخر. قد نجد لكل فريق إحتجاجاته.

الأخطر هو فرضية واردة: ماذا لو جمّدت الأزمة المعيشية خطوات العسكريين والأمنيين، وهم الذين يحفظون الأمن ويمنعون الفتنة؟ فلنتخيل إحتجاجات تقابلها أخرى على مساحة الوطن، من دون قدرة للجيش على ضبط الأوضاع، نتيجة عجز مالي ومعنوي. فلنتخيل الشوارع من دون جيش أو قوى أمنية اصبح عناصرهم مصنّفين في خانة الأكثر فقراً عملياً.

لذا، تأتي كلمة قائد المؤسسة العسكرية على قدر عال من الأهمية: فليتنبّه المسؤولون مما هو آت. بعدما وضع العماد جوزاف عون النقاط على الحروف. تستحق تحذيراته القراءة بتمعن وأخذها على قدر عال من المسؤولية الوطنية، لأن الخطر لن يكون على المؤسسة العسكرية وحدها بل على البلد ومواطنيه.