أشار رئيس ​التيار الوطني الحر​، النائب ​جبران باسيل​ الى أن "التيار الوطني الحر يدخل عامه الجديد اليوم في ​14 آذار​ مُذخّرًا باختبارات إكتسبها من مسيرته النضالية وقد صقلت التجربة، بانجازاتها وخيباتها، شخصية التيار وبلورت خياراته الكبرى في ​الحياة​ العامة".

ولفت باسيل خلال اعلانه الورقة السياسية الصادرة عن المؤتمر الوطني للتيار الى أن "التيار عانى من امساك ​منظومة​ سياسية-مالية بمفاصل ​الدولة​ والقرار، وقد عاش اثر ذلك، كسائر ال​لبنان​يين، أزمة الإنهيار الكبير في ​المال​ و​الإقتصاد​، وأزمة سقوط النظام... ويدفع هذا السقوط التيار الى معالجة عميقة لخياراته وممارساته"، معتبرا أن "مراجعة التيار لخياراته وممارساته يجب ان تفضي الى صوغ مقاربة مختلفة لهواجس اللبنانيين وحلولٍ لمشاكلهم، وان تؤسس لنظامٍ جديدٍ يُبنى على اسس الصيغة والميثاق ويستفيد من العثرات المتأتيّة من الطائفيّة و​الفساد​".

ورأى باسيل أن "​العالم​ يدخل مرحلة متغيّرات كبرى على الصعيدين الإقليمي والدولي، وعلى التيار مواكبتها والصمود لاجتياز مطبّاتها، والافادة من انفراجاتها، بهدف تأمين حضوره، بما يمثّل ومن يمثّل، في رسم مستقبل لبنان والمنطقة"، مشيرا الى أن "الصمود هو عنوان المرحلة، ويكون من جهة، عبر تحديد خيارات استراتيجية وتموضعات انتقالية في ال​سياسة​ الخارجية والداخلية، ومن جهة اخرى، عبر سياسة تنظيمية داخلية تسمح بالتأقلم والتحمّل تحقيقاً لما اعتاد عليه التيّار من صمود ومرونة تضاف اليهما ضرورة الانتاج".

وتابع :"ان التعدّد الفريد للمجتمع اللبناني وكذلك الانتشار المنقطع النظير للإنسان اللبناني، يحتمان عليه تنويع علاقاته، ولا يمنعان عنه ان يكون مرناً في توجيه خياراته وفقاً للظروف وبحسب مصالحه من دون التخلي عن ايّ من روابطه الثقافية وخصوصيّات مكوّناته".

واكد ان "لبنان يجب ان يكون صاحب الدور الريادي في تأطير المساحة المشرقية، حيث انّ مشرقيّتنا هي دعوة مفتوحة للسلام بين الشعوب، وليست أقليّات تتصارع بل خصوصيّات تتكامل، ولا يستقيم الوجود ولا يسود الإستقرار ولا تنمو الحرية إلّا بالسلام، ولا يكون السلام إلّا بإحلال العدل وصون الحقوق ارضاً وثروات، ولا يدوم اذا لم تنخرط به الشعوب".

واعتبر ان "السلام بين البشر قيمة وغاية وهو في صلب ثقافة التيار، ولأننا نريده دائمًا وفاعلًا، نؤمن بأن تحقيقه يستوجب الحفاظ على قوة لبنان كي لا يتحوّل السلام الى تبعية وإستسلامٍ، وبذلك يَفقد لبنان ميزاته التي ترى فيها اسرائيل خطراً عليها".

وشدد باسيل على أن "اسرائيل تفهم لغة الحرب ولا تفقه معنى السلام الحقيقي، وتريد فرض تطبيع مصطنع بقوّة الخارج وتحت ضغط الأزمات، لكنّ هذا لن يؤدّي الاّ لمزيدٍ من الكراهية والعدوانية ويجعل السلام بعيد المنال... وحده لبنان القوي، أمنًا وإقتصادًا، قادر على صنع السلام العادل والدائم والشامل مع إسرائيل".

وتابع :"على قاعدة أن الحق شرط للسلام، نؤكّد حقّ الشعب الفلسطيني اللاجئ بالعودة الى أرضه؛ وعلى القاعدة نفسها، نعمل من أجل عودة النازحين السوريين الى وطنهم مع التمييز طبعاً بين اللاجئ الذي لا تسمح له اسرائيل بالعودة، والنازح الذي تسمح له دولته في سوريا، بينما تعاكسه بعض الظروف والدول، ولا نقبل، ولا يمكن للبنان أن يدمج في مجتمعه لا اللاجئين ولا النازحين، فلا دستوره ولا نسيجه الإجتماعي ولا موارده الإقتصادية ولا كثافة سكّانه تسمح بهذا التوطين".

واضاف :"لبنان هو بلد التوازنات وأي إختلال في توازنه يضرب تنوّعه ويسقط هويته، عودة اللاجئين والنازحين شرط وجودي للبنان، وعدمها مانعٌ للسلام مع إسرائيل ومولّد للحرب معها، ومانع لاستقرار العلاقات المميّزة والمتوازنة التي نريدها مع سوريا"، مبينا بأن "التيار يريد تحصين لبنان في وجه أي عدوان من اسرائيل او من الجماعات الارهابية، ويعتبر الجيش اللبناني صاحب المسؤولية الأولى في الدفاع عن الحدود والوجود"، مضيفا :"الى أن يتم فكّ الحظر عن تزويد الجيش بالأسلحة اللازمة، والى ان يحلّ السلام المأمول، يرى التيار ضرورة إعتماد إستراتيجية دفاعية تقوم على التفاهم الداخلي، والحفاظ على عناصر قوة لبنان للحفاظ على توازن الردع، ومركزية قرار الدولة دون التخلّي عن الحق المقدّس والشرعي بالدفاع عن النفس، والاستراتيجية الدفاعية تشكل بحد ذاتها ضمانة للبنان تسمح له وتوجب على ابنائه ابقاءه بمنأى عن كل نزاع لا علاقة له به".

ولفت باسيل الى ان "الحياد مفهومٌ له أصوله وقواعده في القوانين الدولية وهو يقتضي توافقاً في الداخل وقبولًا من الجوار وموافقةً دولية، فإن التيار يريد تحييد لبنان، ويريد الاتفاق بين اللبنانيين على مفهوم واحد هو عدم انغماس لبنان في قضايا لا ارتباط له ولمصالحه بها، بل تأتي عليه بالضرر دون اي فائدة، دون ان يعني هذا المفهوم الغاء دوره او حياده عن القضايا التي تطاله وتضرّ بمصلحته او تلك المتعلّقة بالصراع مع اسرائيل".

واكد أن "التيار، في ​السياسة​، متشدّد من جهة، لناحية الخصوصية والكيان، ومتشدّد من جهة مقابلة، لناحية الانفتاح والقبول بالآخر، وتبقى "اللبنانيّة" ما بين الحدين رابطة الانتماء المتنوّع لمكوّناته والمتفاعل مع محيطه المشرقي والعربي ومع العالم".

وشدد على ان "في الاقتصاد، التيار مؤمن من جهة بالاقتصاد الحر وبدور القطاع الخاص فيه، ومتمسّك من جهة اخرى، بشبكات الأمان الاجتماعيّة التي تحفظ حق الانسان بالعيش الكريم؛ وما بين الاثنين يبقى مرناً لناحية التعاطي مع أصول الدولة ومواردها وثرواتها وكيفيّة الإفادة منها بحسب مصلحة اللبنانيين".

وذكّر باسيل بأن "التيار يناضل لتطوير بنيان الدولة لتصبح مدنية بكامل مندرجاتها، ولأنه يدرك صعوبة تحقيق هذا الهدف في نظام مركزي، وفي ظل معارضة داخلية كبيرة له، فإنه يدعو بالارتكاز على الدستور الى قيام اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة كنظام يحفظ وحدة لبنان ويساهم في انمائه، وإنّ التيار يتخوّف من اعتماد الفيدرالية، ليس لأنها لا يمكن ان تكون حلاً للبلدان الشبيهة به، وهي كذلك، بل لأنّ نسيج شعبنا وتداخله الجغرافي قد يحوّلانها الى فرز طائفي طوعي للسكان، وهذا ما قد يجعلها نوعاً من التقسيم المقنّع وهو مرفوض منّا حتماً".

وراى باسيل أن "مشروع التيار للدولة المدنية يقوم على: معالجة الاختلالات الدستورية، استكمال تطبيق الدستور، اللامركزية الادارية والمالية، قوانين مدنيّة للأحوال الشخصيّة، مجلس شيوخ على أساس التمثيل المذهبي، مجلس النواب على أساس النسبية والدوائر الموسّعة والمناصفة، صندوق ائتماني يدير أصول الدولة، ويتحقّق مشروع التيار للدولة المدنية بالحوار بين اللبنانيين حول طاولة برئاسة رئيس الجمهورية، ويتم التفاهم عليه بكامله، على ان يتم تنفيذه تزامناً وتدريجياً بشكل يسمح بتسهيل تطبيقه وبإزالة الهواجس ومعالجة اسباب الخوف منه".

ولفت باسيل الى أن "التيار يؤكّد على تصميمه اعادة النظر بوثيقة التفاهم بينه وبين حزب الله ومراجعتها بنيّة تطويرها بما يحقق: حماية لبنان عن طريق إستراتيجية دفاعية، بناء الدولة من خلال مكافحة جديّة للفساد وإجراء كافّة الإصلاحات، تطوير النظام بما يوقف تعطيله ويؤمّن الشراكة الوطنية الكاملة"، مؤكدا أن "غاية التفاهم مع حزب الله ليست مصلحية ولا ثنائية، بل اشراك الجميع به واشعارهم بنتائج حسيّة لعملية تطويره واعادة الأمل بأنّه سيساهم في قيام الدولة، ويكون السلاح جزءاً من الدولة يشعر اللبنانيون بالقوة من خلاله، دون الخوف منه".

وتابع :"يعتزم التيار التأكيد بالممارسة على تواصله مع كلّ اللبنانيين وإنفتاحه على جميع الأطياف والمكوّنات دون التنازل عن الحقوق والتراجع عن الإصلاح، وهو مستعد لكل حوارٍ لتوسيع المساحة المشتركة بين اللبنانيين والحفاظ على الوحدة، والتواصل والحوار اللذين يبدي التيار استعداده لهما يتوسّعان لتحقيق العلاقة الجيّدة مع اصدقاء لبنان، بدءاً من الدول العربية ووصولاً الى كل القوى الإقليميّة ودول العالم، وذلك إنطلاقًا من الإحترام المتبادل للسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتحقيقًا لأوسع تعاون إقتصادي وثقافي".

واكد ان "التيار يعمل على تحقيق إصلاحات بنيويّة في النظام على كافة الصعد: في النظام الإقتصادي بما ينقله من الريع الى الإنتاج، في النظام النقدي من خلال سياسة تخفيض الفوائد، وفي النظام المالي عبر خفض كلفة الدولة وتحقيق العدالة الضريبية، في النظام الاجتماعي من خلال العدالة الإجتماعية التي تؤمّن لكل لبناني حقّه في التعليم والصحة وفي ضمان شيخوخته".

وشدد على ان "مسألة محاربة الفساد هي مسألة محورية في سياسة التيار لبناء الدولة، على الرغم من كلفتها الباهظة عليه لناحية استعدائه من كامل المنظومة السياسية والمالية المتحكّمة بالبلاد والتي اوصلته بممارساتها الى الانهيار، وتقوم مسألة محاربة الفساد في هذه المرحلة بالذات على هدف مركزي هو استعادة اموال اللبنانيين، ولو جزئياً و تدريجياً عبر توزيع عادل للخسائر، وهي ترتكز على الإلتزام بإجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان كمقدّمة طبيعيّة لاجرائها فوراً في سائر وزارات الدولة وإداراتها ومؤسساتها".

واضاف :"ترتكز مسألة محاربة الفساد كذلك على الإلتزام باقرار قانوني إستعادة الأموال المنهوبة والمحوّلة الى الخارج بصورة إستنسابية، اضافة الى قانون المحكمة الخاصة بالجرائم الماليّة كما على إقرار قانون كشف الحسابات والأملاك لكل قائم بخدمة عامة، ولا يمكن الاستمرار بالتغاضي عن اقرار قانون الكابيتال كونترول لوقف تسرّب الأموال الى الخارج، وعن كلّ الإصلاحات البنيوية والضروريّة لتأمين الدعم الدولي المشروط بتحقيقها، ويبقى ان الحلّ المستدام لمكافحة الفساد هو عبر قضاءٍ مستقّلٍ وفعّال واعتماد الحكومة الالكترونيّة لوقف الرشوة وتسهيل وتسريع المعاملات الادارية".

وشدد باسيل على ان "سياسة التيار بكل مفاصلها لا يمكن ان تقوم الاّ على أساس وطني يطال مصالح وحقوق كل اللبنانيين، وعلى أساس كياني يحفظ الوطن بصيغته وميثاقه ويؤمّن حقوق كل مكوّناته في الشراكة الكاملة، ولقد عانى التيار ظلماً كبيراً جرّاء اتهامه زوراً بما ليس هو فيه، وذلك بسبب سياساته في استعادة الحقوق من الخارج وفي الداخل، ورفض التوطين ومحاربة الفساد والخروج عن الرتابة التي عانت منها حياتنا الوطنية، وكسر قيودها"، مضيفا :"ليس على التيار ان يكون في موقع الدفاع عن النفس، بل الهجوم على الذين ارهقوا البلاد على مدى الثلاثين عاماً المنصرمة، ويجب ان نتذكّر دوماً انّ التيار والحق والحقيقة متلازمون ولا بدّ لنضال الحق ان ينتصر".