على الرغم من النقمة العارمة على الطبقة السياسيّة كلّها من أغلبيّة شرائح المُجتمع ال​لبنان​ي، فإنّ حجم المأساة التي يعيشها ​الشعب اللبناني​ جعله يتمسّك بحبال الهواء–كما يُقال، بحيث تولّدت قناعة لدى الكثيرين بأنّ بمُجرّد تشكيل ​حكومة​ جديدة، سيتوقّف الإنهيار الحاصل حاليًا. فهل هذا صحيح؟.

الإجابة السريعة والمُباشرة هي بكل بساطة: كلا! إنّ أقصى ما يُمكن أن يُؤمّنه تشكيل حكومة جديدة هو عبارة عن صدمة إيجابيّة على المدى ​القصير​. وهذه الصدمة ستدفع الكثير من الأشخاص الذين يحتفظون بكميّات من ​الدولار​ الأميركي في منازلهم، إلى تصريف جزء منها وإلى شراء ​الليرة​ من جديد، للإستفادة من سعر تحويل مرتفع، ما سيقود إلى خط إنحداري حتمي لسعر صرف الدولار. لكنّ هذا المسار الإيجابي الذي سيحصل بالتأكيد فور تشكيل أيّ حُكومة، لجهة إنخفاض سعر الصرف بشكل ملحوظ، سيعود ويتوقّف عند مرحلة مُعيّنة خلال بضعة أسابيع من التراجع لا أكثر. وبالتالي إنّ وقف الإنهيار الحاصل حاليًا، يمرّ بمسار مُختلف عمّا يتوقّعه الرأي العام، وهو أعمق بكثير من مُجرّد تأمين أجواء من الإستقرار السياسي الداخلي، علمًا أنّ هذا الإستقرار–إن حصل، لن يطول كثيرًا، لأنّ إستحقاقات خلافيّة عدّة تنتظر لبنان خلال العام 2022، أبرزها على سبيل المثال لا الحصر، مسألة الإنتخابات النيابيّة في ربيع العام المقبل، والخلاف على ​قانون الإنتخاب​، ومسألة الإنتخابات الرئاسيّة في بداية الخريف كأقصى حدّ، والخلاف على هويّة الرئيس، ناهيك عن الخلافات المُتوقّعة على سُبل معالجة الأوضاع الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة، إلخ.

من هنا، إنّ وقف المسار الإنحداري الحاصل حاليًا، يمرّ بما يلي، بعد تشكيل حكومة تُعيد الثقة:

أوّلاً: إطلاق ورشة الإصلاحات المُنتظرة، لجهة إعادة هيكلة ​القطاع العام​ ومؤسّسات ​الدولة​، والشروع في مُكافحة ​الفساد​، ووقف الهدر وترشيد الإنفاق، وكذلك لجهة إطلاق التحقيق الجنائي في ​مصرف لبنان​ وكامل وزارات ومؤسّسات الدولة.

ثانيًا: جذب الإستثمارات الخارجيّة عبر إعفاء المُستثمرين في لبنان من ​الضرائب​ والرسوم المُختلفة، بهدف ضخّ الأموال ​الجديدة​ في السوق اللبناني، وبالتالي إيجاد فرص عمل للشباب، ولكلّ العاطلين عن العمل، بما يكفل إعادة تحريك ​الدورة​ الإقتصادية بشكل مُثمر.

ثالثًا: بدء المُفاوضات مع مُمثّلي صُندوق النقد الدَولي، للحُصول على قروض ماليّة وعلى مُساعدات من المُجتمع الدَولي، وهذا الطريق شاق وطويل، علمًا أنّه في حال نجاح المُفاوضات، يتوقّع أكثر من خبير أن تبلغ قيمة مُساعدة الصندوق مبلغًا لا يتجاوز 5 مليارات دولار في أفضل الأحوال، وذلك على مدى سنوات عدّة وليس دفعة واحدة.

رابعًا: ​القروض​ الماليّة تُسلّم على دفعات، وعلى فترات زمنيّة مُتباعدة، يسبق كل دفعة منها تقييم لمدى تطبيق الخطط المرسومة، ولمدى تنفيذ إجراءات الإصلاح المَوعودة، بحيث أنّ من شأن أيّ تخلّف عن التطبيق أو أيّ تهرّب من التنفيذ، أن يوقف المُساعدات! وهذا يُشكّل عقبة كبيرة لأنّ المَطلوب من لبنان أن يُعيد هيكلة القطاع العام، من حيث الحجم، مع خفض الإعانات، وتعديل معايير الرواتب التقاعديّة. وإعتماد قواعد ضريبيّة جديدة، مع رفع الضريبة على القيمة المُضافة-ولوّ على مُنتجات مُحدّدة، وليس بشكل كامل، وتحسين الجبايات والرسوم، ومنع التهرّب، ومُكافحة الفساد، ووقف التهريب، إلخ. وأيضًا إعادة هيكلة ​القطاع المصرفي​، ورسملة النظام المصرفي ككل. والمطلوب من لبنان كذلك الأمر، ​رفع الدعم​ عن كثير من السلع والخدمات الحيويّة، ورفع فواتير مؤسّسة ​كهرباء لبنان​ عدّة أضعاف. ومن غير المُستبعد أن يُطلب أيضًا خفض ديونه، وهذا المسار يمرّ بشطب جزء من أموال المُودعين في ​المصارف​، بغضّ النظر عن النسبة التي ستُقتطع وعن الفئة التي ستُستهدف. وقد يتمّ أيضًا الطلب من لبنان بيع أملاك للدولة وخصخصتها، إلخ.

في الختام، إنّ تشكيل حكومة جديدة طال إنتظارها، لا يعني وقف الإنهيار، بل يعني وضع لبنان على مسار الحدّ من سرعته فقط لا غير. والحُصول على أموال الدعم من الخارج مُرتبط بتنفيذ الجانب اللبناني مجموعة من الإجراءات المُوجعة والقاسية، علمًا أنّ كلّ بند من هذه الإجراءات كفيل ب​تفجير​ "ثورة" جديدة عند تطبيقه!.