اشار مجيد رفيع زاده، الباحث والمحلل السياسي الأميركي من أصل ​إيران​ي في جامعة هارفارد، ورئيس المجلس الأميركي الدولي للشرق الأوسط، في ​تقرير​ نشره معهد جيتستون الأميركي، الى إنه يبدو أن إدارة ​بايدن​ تريد من أعماقها المضي قدما في أجندتها لإحياء ​الاتفاق النووي​ الإيراني، وبالتالي رفع العقوبات عن ​طهران​.

وأشار رفيع زاده إلى أن إدارة بايدن متأرجحة بشأن الارتداد عن مسار ​سياسة​ "الضغط الأقصى" التي تبنتها الإدارة السابقة والتي تمثلت في العقوبات الاقتصادية على ​الجمهورية​ الإسلامية. وتردد أن ​الولايات المتحدة​ سمحت ل​كوريا الجنوبية​ بالإفراج عن سبعة مليارات ​دولار​ من الأصول المجمدة لإيران، قبل أن يحث ​وزير الخارجية​ الأمريكي ​أنتوني بلينكن​ سول في 10 آذار على عدم الإفراج عن الأموال حتى توافق إيران على العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي.

ويبدو أن الاجتماعات غير الرسمية بين الجمهورية الإسلامية ومجموعة 5 + 1 ( ​الصين​ و​روسيا​ والولايات المتحدة و​المملكة المتحدة​ و​فرنسا​، بالإضافة إلى ​ألمانيا​) في طريقها لإحياء الاتفاق النووي، رغم المعارضة الشديدة من العديد من القوى الإقليمية، وبينها ​إسرائيل​ و​السعودية​، بالإضافة إلى أعضاء ​مجلس الشيوخ​، جيم ريش و​ماركو روبيو​ وجيم إنهوف.

وهناك حكومات في ​الشرق الأوسط​ لديها سبب وجيه للقلق بشأن الاتفاق النووي. مشيرا إلى أن تلك الدول شهدت بالفعل عواقبه السلبية. وكان الرئيس الأمريكي الأسبق ​باراك أوباما​ قد تعهد بأنه "واثق" من أن الاتفاق "سيلبي احتياجات ​الأمن​ القومي للولايات المتحدة وحلفائنا".

واوضح الباحث: "لم تكتف إدارة أوباما ببدء سياسات الاسترضاء وتوسيعها، فحسب، بل قدمت تنازلات غير مسبوقة في محاولة لثني الحاكمين في إيران عن عدوانهم الداخلي والخارجي. لقد قابلتهم الولايات المتحدة بكرم ومرونة في كل خطوة على الطريق".

وسرعان ما شعرت عدة دول في المنطقة، ومواطنو الولايات المتحدة، بأنهم تعرضوا لخيانة. وبات واضحا أن الاتفاق النووي قد غض الطرف بالكامل عن تمويل إيران لوكلائها الذين ينتهجون ​العنف​ ، مثل ​حزب الله​، الذي سيطر على ​لبنان​، و​حركة حماس​ في ​قطاع غزة​، و​الحوثيين​ في ​اليمن​، وكذلك عن توسيع إيران لنفوذها في مساحات شاسعة من ​أميركا الجنوبية​. ولم يكن لهذه النتيجة أن تحدث لو كانت إسرائيل والقوى الإقليمية الأخرى جزءا من المفاوضات، بحسب ما يراه رفيع زاده.

وتستبعد تشكيلة فريق التفاوض الحالي، على غرار الفريق السابق، بشكل كامل الموجودين على أعتاب إيران. ففي نهج يعيد إلى الأذهان الحقبة الاستعمارية في الماضي، تظل هذه سياسة تضعها حكومات على بعد آلاف الأميال.

واعتبر الباحث رفيع زاده أن الأسوأ من ذلك، هو أنه بعد إبرام الاتفاق النووي، شهدت القوى الإقليمية تأثيره بنفسها. ومع رفع العقوبات عن إيران في إدارة أوباما، سرعان ما تبين أنه بدلا من كبح السلوك الخبيث لإيران في الداخل والخارج، يرى ​المجتمع الدولي​ أن هذه الإجراءات قد منحت إيران شرعية عالمية جديدة. وتسبب ذلك، بالإضافة إلى رفع العقوبات، في توفير عائدات بمليارات الدولارات للمؤسسة العسكرية الإيرانية و​الحرس الثوري الإيراني​ وكذلك للميليشيات الإيرانية و​الجماعات الإرهابية​.

واستخدمت طهران هذا التدفق من الإيرادات في توسيع نفوذها في أنحاء المنطقة، بما في ذلك ​سوريا​ و​العراق​ واليمن ولبنان. وأثبتت حملة التوسع الإيرانية نجاحا هائلا.

وأدركت ​دول الخليج​ وإسرائيل على الفور أنه لم ولن يتم إحباط التهديد الذي تشكله إيران عبر هذا الاتفاق النووي، حيث سمح الاتفاق لطهران في وقت قصير بتخصيب أكبر قدر من اليورانيوم وتصنيع العديد من القنابل النووية كما تشاء، فضلا عن ال​صواريخ​ الباليستية التي يمكن استخدامها في إطلاق القنابل، بدلا من منع إيران من امتلاك ​أسلحة​ نووية، كما وعد ذلك الاتفاق "بشكل خادع".

ويقول التقرير إن ​الدول العربية​ قد شهدت بالفعل عواقب المحاولة السابقة للتوصل لاتفاق نووي. وقد صعّد ​الحوثيون​ الذين تدعمهم إيران ب​السلاح​، جهودهم من أجل مزيد من الموت والدمار في اليمن، كما صعد حزب الله انخراطه في مساحات شاسعة من ​الأراضي السورية​، وسيطرته عليها. وشهدت المنطقة أيضا نزوعا أكبر لإطلاق صواريخ الحوثيين على أهداف مدنية في السعودية، ونشر الآلاف من عناصر حزب الله في سوريا، والقصف المستمر على جنوب إسرائيل بصواريخ حماس الممولة من جانب إيران.

وراى الباحث رفيع زاده أنه بالعودة إلى اتفاق لم يجلب شيئا سوى الدمار المتزايد وعدم الاستقرار بالمنطقة، فإن إدارة بايدن ستتخلى عن الحلفاء القدامى مثل إسرائيل والسعودية، وستمكّن بدلا من ذلك نظاما لا يزال يشكل تهديدا وجوديا للشرق الأوسط بأكمله.

واوضح إن إحدى التداعيات المحتملة لإعادة انضمام ​واشنطن​ للاتفاق النووي تتمثل في أن دول المنطقة قد لا تجد خيارا آخر سوى القيام بعمل عسكري ضد إيران، وهي خطوة من شأنها أن تتحول إلى حرب إقليمية.

واختتم تقريره بالقول إنه يمكن لمحاولة إدارة بايدن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 أن تحول المنطقة وإرث بايدن بسهولة إلى حريق هائل، بالإضافة إلى إشعال سباق تسلح نووي شديد في أنحاء الشرق الأوسط.