باتت العلاقة بين ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ ورئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​، على غرار اغنية ​السيدة فيروز​ التي تقول في احد مقاطعها "حبوا بعضن... تركوا بعضن"، فبداية "قصة الغرام" كانت في التسوية الرئاسيّة اتي دامت لاكثر من سنتين، كانت خلالها العلاقة اشبه بالعائليّة الى حد ان العديد من الفرقاء ال​لبنان​يين ابدوا امتعاضهم الشديد من مدى التقارب السياسي والشخصي بين الرجلين. ولكن، بعد احداث 17 تشرين الاول 2019، انقلبت الامور رأساً على عقب، واصبح كل منهما بمثابة "كابوس" للآخر.

لا يخفى على احد ان عون لم يعد يتقبل الحريري والعكس صحيح، ولكن ما لا يبدو ان الاثنين يستوعبانه هو ان الدول الخارجية تفرض ان يبقيا معاً حتى نهاية الولاية الرئاسية، ولقد اثبتت الاحداث التي شهدها لبنان على مدى اكثر من سنة، ان احداً منهما لن يستطيع اقصاء الآخر او القفز فوقه، مهما حاول واياً تكن الذرائع، مع الاشارة الى ان الوضع الداخلي ايضاً يسير في هذا التوجه، ناهيك عن ان التجربة اللبنانية على مدى عقود طويلة من الزمن، اظهرت ان الغاء اي طرف للآخر هو من المستحيلات وان التسويات هي التي تسود في زمن المشاكل، حتى بعد اندلاع مشاكل امنية او حتى حرب.

اليوم، حكم على عون والحريري ​المساكنة​ القسرية، وعبثاً يحاول كل منهما التملص من الآخر، فلا عون قادر على ان يفرض تنحي الحريري، ولا الاخير بمقدوره تنفيذ انقلاب ابيض او اسود على عون لاخراجه من ​قصر بعبدا​، ولذلك كان بيان الحريري بمثابة خطوة "تذاكٍ" حين ربط مصيره بمصير عون اي الاعتذار مقابل الاستقالة، وهو كلام لا طائل منه لانه يدرك تماماً ان هذا الامر لن يحصل ولو في الاحلام، فلا الحريري سينهي نفسه بنفسه، ولا عون سيضع حداً لمسيرته الطويلة في ​الحياة​ العسكرية والسياسية بهذه الطريقة. ازاء ذلك، يسأل الكثيرون عن الحلّ المرتقب، وهل ان الدوران في الحلقة المفرغة سيؤدي الى نتيجة؟.

في الواقع، نعم ان الحل سيظهر ولو بعد بعض الوقت، ولكن السؤال الواجب طرحه هو كيفية تسيير الامور بعد الوصول الى الحل، وهل سنكون امام مشهد "انتقامي" عند كل خطوة او مشروع او قرار سيصدر؟ هل ستكون الرعاية الدولية حاضرة في كل لحظة لمواكبة كل قرار يجب اتخاذه؟ والاهم كيف سينقسم اللاعبون المحليون القادرون على خلق مشاكل وعقبات في كل يوم، وهل ستكون الحكومة في غرفة المراقبة الدولية؟.

من المؤكد ان كل الاطراف ستشارك في لعبة شد الحبال، ولن يكون اي طرف على استعداد للتسليم بتفوّق الطرف الآخر عليه، مع كل ما يعني ذلك من عدم مراعاة لمصلحة الوطن والمواطن، لان لعبة كسب النقاط هي هدف كل حزب وتيار سياسي، وعلى الرغم من كل ما يعانيه ​اللبنانيون​ جراء الازمة الاقتصادية والمالية، الا أنّ التصويب بدأ فعلياً على الاستحقاق الانتخابي النيابي، وفرض النفوذ فيه بين ثلاث احزاب وتيارات رئيسية هي: ​التيار الوطني الحر​، ​تيار المستقبل​، و​القوات​ اللبنانيّة، اما الآخرون فلا خوف عليهم وعلى حضورهم الذي لن يشهد تغييرات كبيرة، علماً ان ​المجتمع المدني​ او ما يعرف بـ"المستقلين" لن يتمثل بالقوة التي يرغب فيها، ولو صوّر نفسه عكس ذلك.

وعليه، ان الحل الذي سيبصر النور عاجلاً ام آجلاً، لا يمكن لاحد ان يمنّن اللبنانيين به سوى الخارج، خصوصاً وانه سيعتمد اسلوب التسوية والمراعاة، ولن يكون هناك من فائز في المواجهة التي طال امدها ووصلت معاناتها الى حدود لم يعرفها لبنان من قبل، خسر فيها اللبنانيون ارواحهم وجنى عمرهم وحقوقهم من اجل... مساكنة قسريّة.