لفت متروبوليت ​بيروت​ وتوابعها للروم الأرثوذكس ​المطران الياس عوده​ في عظة القاها خلال ترأسه داس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت الى ان "​إنجيل​ اليوم يرينا نثنائيل الجالس تحت التينة. إنه يمثل كل إنسان مهموم، جالس بلا حركة بسبب عظم همومه المعيشية وثقل أفكاره. في المقابل، نجد ​المسيح​ يدعو نثنائيل، ومن خلاله يدعونا، وهو يعرف كل واحد منا وجميع همومه، ويطلب منا أن نتبعه، أن نؤمن به، وهو سيزيل كل ألم وحزن وتعب من حياتنا. إستقامة الرأي هي أن نتبع طريق الرب المستقيم، فنحيا بسلام، ونصل إلى الفرح الذي لا يزول. لهذا، تضع الكنيسة التعييد لاستقامة الرأي في الأحد الأول من ​الصوم​، لأننا بها نصل إلى فرح القيامة الحقيقية".

ولفت الى انه "في حين تعيد الكنيسة لاستقامة الإيمان، يصادف اليوم ​عيد الأم​. الأم الحقيقية مثال لاستقامة الرأي وصلابة الإيمان، لأنها تحتمل ما لا يحتمل، بدءا من آلام المخاض، وصولا إلى تربية الأولاد والسهر على حاجاتهم الروحية والجسدية، وتنشئتهم عناصر فعالين في الكنيسة والمجتمع. الأم هي المثال لأبنائها في ​المحبة​ والتضحية، في الكد والصلابة و​الصلاة​، فإن زاغ إيمانها أو استقام، نجد الأولاد يتمثلون بها. لذا، نسأل الرب إلهنا أن يشدد جميع الأمهات، خاصة في هذه الأيام الصعبة، ويمنحهن الصبر والقوة والإيمان القويم، حتى يكن جذعا صلبا تخرج منه الأغصان المفرعة ثمرا مغذيا للمجتمع. كما نصلي من أجل راحة نفوس جميع الأمهات اللواتي سبقننا من هذه الفانية إلى فردوس النعيم"، معتبرا انه "لا بد من تحية خاصة للأم ال​لبنان​ية التي هي شعاع النور الوحيد في ظلمة أيامنا رغم أنها تعاني أضعاف ما تعانيه أية أم أخرى، لأن الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان تضيف إلى معاناة الأم آلاما وتضحيات، لكنها المناضلة الدائمة من أجل عائلتها ووطنها. هذه الأم ما زالت تكافح في عملها من أجل إعالة العائلة مع زوجها، ومسؤوليتها في البيت تضاعفت بسبب الظروف القاسية، وقد خسرت هذه الأم روحها في ​انفجار بيروت​، مع خسارة أولادها، وهي تقاسي من هجرة من تبقى منهم، عدا عن الليالي التي لا تأكل فيها من أجل إطعام صغارها، وتذرف الدموع على أولادها وعلى مدينتها الثكلى. بيروت المدينة المفعمة ب​الحياة​، التي لا تنام، أصبحت مدينة مقفرة، مظلمة، حزينة. ف​وسط بيروت​ بلا حياة، وأحياء الأشرفية والجميزة والمرفأ بلا روح، ولبنان كله في مهب الريح، ما يدخل الغم إلى القلوب".

أضاف: "مع بداية فصل الربيع اليوم، نحزن لأن وطننا ييبس ويذبل. أرزة الشرق نخرتها سوسة الفساد فبدأت تهوي، لكن الله قادر أن ينبت من الجذع اليابس أرزة جديدة خضراء لا تذوي. الأمل ضئيل، لكنه موجود. نأسف لما نراه ونسمعه عن تصرفات مسؤولينا، الذين يغامرون بحياة شعب أمنهم على إدارته والسير به نحو الأفق المشرق، لكنهم أحدروه نحو الظلمة وظلال الموت. يتقاذفون كرة المسؤولية والشعب يئن جوعا ومرضا وتشردا وبطالة. يتلهون بمصير البلد وأهله، لا مبالين بالوقت المهدور، فيما الشعب يعد الثواني حتى مجيء ساعة رحيلهم جميعا لينعم بالراحة. يا من تتلهون بدموع الأمهات، وأنين المرضى، وصرخات اليتامى... إن الله يعطيكم فرصة للتوبة والعودة إليه وتقويم مسيرتكم فكفوا عن التنكيل بإخوته الصغار. تذكروا قول الرب لقايين الذي قتل أخاه حسدا: قايين، قايين، إن صوت أخيك يصرخ إلي من الأرض".

واكد ان "وضعنا لا يحسدنا عليه أحد: ​الليرة​ في أدنى المستويات ووزير ​المال​ غائب. ​وزير الطاقة​ بشرنا بالعتمة. وزير الداخلية أعلن أن البلد مكشوف أمنيا. رئيس ​الحكومة​ المستقيل هدد بالاعتكاف. ترى من يتحمل مسؤولية البلد؟ بلبلة وضياع وتدهور جنوني مخيف، أخشى أن ينتهي بارتطام مميت، إلا إذا صحت الضمائر وتم تأليف حكومة تتولى زمام الأمور. هنا نؤكد لمن يعنيهم الأمر أن المواطن غير مهتم بعدد الوزراء، وبالثلث المعطل، وبحصص الزعماء. المواطن لا يريد إلا العيش بكرامة وسلام في وطن حر سيد مستقل، تسوده العدالة ويحكمه القانون، لذا نسأل المعنيين ب​تأليف الحكومة​ عدم فض اجتماعهم يوم الإثنين قبل الوصول إلى حل".

واشار الى انه "بعد أيام قليلة نعيد لبشارة والدة الإله. لقد أرادت دولتنا أن يكون هذا العيد رمزا للعيش المشترك والوحدة الوطنية. الوحدة لا تتحقق بيوم عطلة رسمية. الوحدة الوطنية تتحقق باحترام الآخر والدفاع عن كرامته وحقه بالحرية الكاملة، حرية الفكر والرأي والمعتقد، مهما كان مختلفا، لأن الجميع متساوون في الوطن. ​اللحمة​ الوطنية تتم عندما تعم المساواة والعدالة والحق وتكون الحكومة لكل الوطن، لا لفئة واحدة أو لون واحد. لبنان الواحد يتحقق عندما تخفق قلوب جميع مواطنيه باسمه فقط، لا باسم هذا الزعيم أو تلك ​الدولة​. ننتظر في ​عيد البشارة​ بشارتين: الأولى بشارة بمجيء ​المخلص​ من مريم العذراء، والثانية بشارة بخلاص لبنان واللبنانيين من كل الأزمات والصعوبات، من خلال ولادة حكومة تقود الشعب بحكمة نحو بر الأمان. الحاجة ملحة إلى حكومة حكماء، أناس يعرفون ماذا يفعلون وليسوا أجراء لدى أحد. هل حقا نريد أن نعيش معا ونريد المحافظة على كياننا واستقلالنا؟ لنتخل إذا عن كل ارتباط خارجي وكل تطلع إلى ما وراء الحدود، ولنشبك الأيدي، راحمين بعضنا بعضا، عاملين على إعادة اللحمة وبناء ما قد هدمته خطايانا، وأولها الحقد والتعنت والكبرياء وحب الإنتقام. إن دولتنا تمر بأزمة وجود ومصير، ولن تستعيد قرارها قبل استعادة حريتها الكاملة، والتخلص من كل ارتهان أو وصاية. يكفي تقاذف كرة الإتهامات. الجميع مسؤول عن الفساد والإنهيار، فليتحمل الجميع المسؤولية ولا ضرورة لغسل الأيدي، لأننا نعيش في بلد صغير كل شيء فيه معلوم".

وشدد على ان "دعاؤنا أن يصل مسؤولونا إلى استقامة رأي وطنية، فيصير كل عيد من الأعياد التي ذكرناها عيدين. صلاتنا، أن يبقى إنسان هذا البلد على إيمانه بالله القادر وحده أن ينقذه وينتشله ويوصله إلى ميناء الخلاص. لا تيأسوا، فإن اليأس سلاح الشيطان. صلوا، صوموا، كثفوا التضرعات، فالله يستمع لعبيده ولا يخيب المتوكلين عليه".